غزة ـ حلمي موسى
اليوم الرابع بعد المئة، والأيام تتالى، والحرب تطول بحدة تعلو أو تخبو، وشعبنا، برغم معاناته وخسائره الفادحة، صامد في أرضه، متطلع إلى مستقبل أفضل في وطن حر ومستقل وآمن. وكلنا أمل بأن تحقيق ذلك ليس ببعيد.
**
أقل ما يقال في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية هي أنّها أبعد ما تكون عن حكومة “طبيعية”. إذ تدار الأمور بداخلها بطرق أبعد ما تكون عن النظامية، وسط تساؤلات عميقة حول من يقود هذه الحكومة فعليا.
وليست التساؤلات هذه حكرا على الأميركيين الذين اصطدموا مرارا بواقع أن نتنياهو يتفق معهم على شيء ثم يفعل نقيضه. وقد أثاروا هذه المسألة مرارا معه، ومع كل من يقابلونه من الإسرائيليين.
وهذه التساؤلات تُطرح بقوة أيضا داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية؛ في الليكود، وداخل أحزاب اليمين، وبين أحزاب اليمين وبين شريكهم في مجلس الحرب حزب ” المعسكر الرسمي” بزعامة بيني غانتس.
وكان كبير المعلقين السياسيين في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنيع قد تساءل عمن يدير الحرب حقاً؟ وكتب أن نتنياهو على خلاف مستمر مع وزير الحرب يوآف غالانت، كما أن الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت لا يثقان بنتنياهو وينتظران لحظة مغادرتهما الحكومة.
ولا ينسى غالانت أن غانتس وآيزنكوت هما اللذان أحبطا تعيينه كرئيس للأركان. كما أن أعضاء الحكومة عموما غاضبون من وجود كابينت الحرب، وفوق ذلك كلّه يحوم التدخل الأميركي غير العادي.. “فمن يدير الحرب والحكومة؟”
وحتى اللحظة، تتخبط حكومة نتنياهو في موضوع تحديد أولويات أهدافها في الحرب: هل هي تحرير الأسرى، أم القضاء على “حماس”؟ وهي تطلق كل يوم إشارات متناقضة.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو، ومن دون تنسيق مع الحكومة، أرجأ تحديد الخطوط العريضة الجديدة لصفقة تبادل الأسرى. وبحسب صحيفة “معاريف”، فإن نتنياهو عمد الى تأجيل وضع الخطوط العريضة الجديدة لصفقة الأسرى كما عمد إلى رفع سقفها. وفي تقرير عرضته “القناة 13″، نقلت عن مصادر سياسية قولها “ما زالوا يعملون على الخطوط العريضة الإسرائيلية، ولم يتم الاتفاق عليها”.
وبحسب ما نشر، فقد انتشرت في الأيام الأخيرة أنباء تفيد بأن النخبة السياسية في إسرائيل قررت الترويج لمبادئ مفاوضات جديدة واستباقية، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى صفقة تبادل للأسرى. وكان من المتوقع أن يتم الترويج للمفاوضات من خلال وسيط، لكن نتنياهو قام بتأخير الإعلان عن المبادئ التي تم الاتفاق عليها ورفع سقفها، كما ورد في “القناة 13” مساء أمس.
وبحسب تقرير القناة، فقد دارت المناقشات على المبادئ نفسها بين المهنيين وعلى المستوى السياسي – نتنياهو، وغالانت، والوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت.
وفي النهاية، توصلت هذه المناقشات بالفعل إلى مبادئ محددة لتوجيه المفاوضات المتقدمة، والتي من المفترض أن تؤدي لاحقاً إلى صفقة مع “حماس”، عندما تكون القيادة السياسية قد توصلت بالفعل إلى استنتاجات حول ما يمكن أن تقدمه إسرائيل كجزء من هذه الصفقة.
لكن، بعد أيام قليلة من اختتام قمة إدارة الحرب، وبعد الاتفاق على المبادئ والتفويض الذي سيرشد إسرائيل في المسار الحالي، عمد نتنياهو الى تأخير إقرار الخطوط العريضة، والى تصليب المبادئ، وذلك من دون التنسيق مع وزراء كابينت الحرب.
وعلم الوزراء بذلك لاحقاً، حتى أن بعضهم واجه رئيس الوزراء على إثر ذلك، وأعربوا عن غضبهم الشديد مما يجري. وقال مسؤولون حكوميون إن نتنياهو “يرسل رسائل نصية للترويج لصفقة تقوم على المخطط الإسرائيلي، وأن المخطط لم يتوقف”.
وكشف موقع ” والا” الإخباري أن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، شدد لهجته ضد نتنياهو، موضحا أنه ليس “ختما مطاطيا” وأنه لا ينوي “قبول هذا الواقع الفظيع بعد الآن”، في إشارة إلى سير الحرب خلال الأسبوع الماضي.
وكتب بن غفير في رسالة بعثها لنتنياهو أن “الطريقة التي أديرت بها الحرب في الأيام الأخيرة من قبل كابينت الحرب، تتناقض بشكل صارخ مع أهداف الإطاحة بحكم “حماس” وتحييد الإرهابيين، وحتى مع تصريحاتكم العلنية حول هذا الموضوع”.
وبالنسبة لمستجدات الحرب ككل، اعتبر الوزير أن “تقليص القوات في القطاع، ووقف زخم التقدم (البري)، وإدخال الأدوية من دون فحص، والخروج من المناطق التي سيطرنا عليها بالفعل على حساب الدماء، هي خطوات تشكل كلها في الواقع وفعليا، تسليم الأراضي إلى النظام الإرهابي، وقبل أن يتم إخلاؤها حتى من قوات الجيش”.
وبن غفير، الذي ناضل في بداية الحرب للانضمام الى كابينت الحرب، مع أنه كثيرا ما ينتقد مواقفه، أضاف في رسالته إلى نتنياهو أن “تصرّف الكابينت المصغر من خلف ظهر الحكومة السياسية-الأمنية أمر غير مقبول بالنسبة لي”.
وتابع قائلا “إن الواقع الذي يتم فيه اتخاذ القرارات من وراء الكواليس، ومن دون نقاش، فيما نعلم بهذه القرارات في كثير من الحالات بأثر رجعي، هو أمر مستحيل. منذ البداية عبّرت عن معارضتي لوجود هذه الحكومة التي توحّد الشركاء في المفهوم فقط، مع تقسيم لكبار الوزراء وأعضاء الحكومة، وتفضيل انتقائي للأشخاص الذين تتطابق آراؤهم مع «المفهوم»”.
وطالب بن غفير نتنياهو بإجابات قائلا: “أنا أقدرك كثيرًا، لكني أذكرك بأنني لست “ختمًا مطاطيًا” للسلوك الخاطئ والخطير الذي أعارضه، ومن دون أن يصل حتى إلى قرار مجلس الوزراء الأمني، وليست لدي أي نية للموافقة على هذا الواقع الفظيع بعد الآن”.
وفي وقت سابق، كان بن غفير قد هاجم نتنياهو لتنازله عن مسؤوليته في ما يتعلق بإدخال الأدوية إلى قطاع غزة، بعدما قالت “حماس” أنه لن يُسمح لإسرائيل بتفتيش الشحنات التي تصل إلى قطاع غزة. واتهم بن غفير نتنياهو بالتلطي خلف غانتس وكتب علنا: “سيدي رئيس الوزراء، كف عن التلطي خلف غانتس وكف عن التذاكي”.
ومن جهة أخرى، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، بأن نتنياهو اقترح على كل من زعيم المعارضة، يائير لابيد، ورئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، الانضمام إلى حكومته.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، مساء أمس، بأن نتنياهو سبق أن اقترح على لابيد وليبرمان الانضمام إلى الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادته، إلا أنهما يرفضان طلبه.
في المقابل، ذكرت “القناة 12” الإسرائيلية أن مصادر في الليكود اقترحت على لابيد الانضمام للحكومة، حتى لو كان المقابل هو إخراج بن غفير منها، وهو وزير الأمن القومي المتطرف.
وأشارت القناة إلى أن مقترح الليكود هو أن تستمر حكومة الوحدة مع لابيد لسنة واحدة.
ويرفض لابيد، الزعيم الحالي للمعارضة، والذي تولى منصب رئاسة الوزراء سابقا، الانضمام للحكومة في الوقت الحالي، إي فيما الحرب دائرة على قطاع غزة.
وقد فشلت محاولات نتنياهو في ضم لابيد وليبرمان للحكومة، فيما أعلن الليكود نفيه الخبر من اساسه.