طلال سلمان

من محمود درويش الى لبنان… وإلى “السترات الصفر”

“ومن حسن حظنا او من سوئه، أن المؤرخين الأجانب الخبراء في مصائرنا وتاريخنا الشفهي. لم يكونوا هنا، فلم نعرف ما حلَّ بنا..” شكراً محمود درويش.

سأل الناس أنفسهم، لماذا لا نقلد “السترات الصفر” في فرنسا؟ تمنوا ذلك. حالمون او عاجزون. سيَّان. “اللبنانيون” ليسوا فرنسيين اولاً، وليسوا لبنانيين ثانيا. ألوان أعلامهم وستراتهم بلون طوائفهم. اللبنانيون، لا شيء. الطائفيون، كل شيء.

“هو اللاشيء يأخذنا إلى لا شيء،

حدًّقنا إلى اللاشيء بحثاً عن معانيه…

فجرَّدنا من اللاشيء شيء يشبه اللاشيء

فاشتقنا إلى عبثية اللاشيء…

يحب العبد طاغية

لأن مهابة اللاشيء في صنم تؤلهه،

هكذا يتناسل اللاشيء من لا شيء آخر

ما هو اللاشيء هذا؟

السيد المتجدد، المتعدد، المتجبر،

المتكبر، اللزج، المهرج…

ما هو اللاشيء هذا؟”

شكراً مرة أخرى يا محمود درويش.

عرَّفتنا. نحن لا شيء، نبحث عن لا شيء.

هذا كلام واقعي وليس شعراً. اننا نشبه أنفسنا فقط. ونحن، في المستوى المتدني جداً، حيث تنعدم السياسة… هل تسمون ما يحدث في لبنان سياسة؟ عيب… لبنان موهوب فقط في تبعيته. الناس هنا على دين طوائفها، ولو قادتهم إلى الجحيم. في فرنسا دولة. نحن ليس عندنا دولة. في فرنسا نظام ديمقراطي برلماني علماني. نحن ابعد ما نكون. في فرنسا مؤسسات، نحن عراة. في فرنسا محاسبة ومساءلة. نحن ليس. في فرنسا مواطنون عن جد. نحن رعاع، باستثناء قلة نقية، مثالية ومتألقة، ولكنها في المكان الغلط، والكيان الغلط والنظام الغلط.

هل بين هؤلاء السياسيين من يعوَّل عليه؟ حرام. سؤال خارج السياق. هؤلاء يشبهون اولئك الذين كانوا من قبل، وأولئك الوارثون من بعد. فرنسا تعيش ازمات القرن الواحد والعشرين، ولبنان مقيم في القرون الوسطى المظلمة والمتخلفة. وأكثر من ذلك، شعوبه موزعة، برغم ضيق مساحته، على ولاءات متناقضة متباعدة متحاربة. يصلون إلى داحس والغبراء، مسيحيين وسنة وشيعة ودروزا.

حرام أن نشبه “اللبنانيين” بالفرنسيين. هؤلاء، يعيشون عصرهم، ويعانون مأساتهم، ويعبرون عنها بلغتهم وقبضاتهم. وبسبب آلامهم، مارسوا الاستقلال عن الاحزاب، وهي عريقة، وعن النقابات وهي ذات ماضٍ مجيد. ما عادوا يؤمنون الا بقبضاتهم وأعقاب احذيتهم العارية. فمن مثلهم عندنا؟ لا أحد. عندنا، يدافعون عن اللاشيء، الذي يعني لهم كل شيء.

إلى متى كل هذا؟

لا أحد يعرف.

طالما اننا نشبه خيالاتنا، فإننا ككلاب الصيد اوفياء لظلالنا واصنامنا.

اننا شعوب تغتال أنفسها مراراً. لا شأن لها بغدها. العجز فلسفتها. لا بصيص أمل في غدها.

ملاحظة:

هذا الكلام الصعب والمؤذي، أسهل بكثير من بلد لا يزال يفتش عن حكومة بين قمامة الاسماء.

“هذا بلد كئيب جداً ومليء بأضداده. رديء، مظلم، معتم. انه فاعل وليس بريئاً أبداً”.

شكراً مرة أخيرة يا محمود درويش، لأنك دللت علينا، من المحيط إلى الخليج.

يا لبؤسنا.

Exit mobile version