طلال سلمان

من له مصلحة بتغيير صدام؟

من الصعب ان يجف حبر الجرح العراقي.. فكيف بعد التطورات الدراماتيكية التي شهدها الاسبوع الماضي.
غير ان هذه التطورات (فرار قسم من بيت الرئيس صدام حسين) فتحت عددù من المؤشرات في سياسات المنطقة الدولية، كما في السياسات العربية العربية، ابرزها »البعد« العراقي للدور الاردني ولدور الملك حسين تحديدù.
»قليل« من التاريخ… قد يكون كثير الدلالات على الأقل الاسئلة في هذا السياق.
عندما حط الامير عبدالله بن الشريف حسين رحاله في معان، شرق الاردن، في 21 تشرين الثاني 1920، لم يكن بذهنه على الأرجح ان الدولة التي سيؤسسها هي الكيان الاردني بحدوده الحالية. فالبيان الذي اصدره (يسميه »المنشور« في مذكراته) بعد ايام يوجهه: »الى اخواننا السوريين«.. وكله تحريض ضد سيطرة فرنسا على دمشق وطرد الملك فيصل الاول منها.
.. بدا شرق الاردن، حتى بعد تأسيس الامارة، وكأنه »محطة« للهاشميين، في الفترة الاولى تجاه عاصمة الامويين وفي الفترة اللاحقة، اي بعد سقوط الحجاز بيد الأسرة السعودية، وكأنه ملجأ انتظار ظروف أفضل في الجزيرة العربية..
خلال كل فترة الامير ثم الملك عبدالله، كانت احدى السمات الاساسية للسياسات العربية العربية، هي عدم قبول الامير عبدالله ب »الأردنة«، اي بأن يحصر طموحاته السياسية في حدود الكيان الذي اسسه بالتحالف مع بريطانيا. كان »طرفù« في اتجاهات متعددة: ارث الخصومة مع آل سعود، »طموحات« في سوريا، وحساسيات مع ابناء العم في العراق، وخلال كل ذلك كان انغماس طويل في الوضع في فلسطين ينتهي بضم الضفة الغربية الى الامارة ونشوء المملكة الأردنية الهاشمية.
مات الملك عبدالله ولم يقبل بهذا المعنى بالأردنة. بل ذهب ضحية ذلك.
مع حفيده، في بداية الخمسينات، بدا التحدي مختلفù، خصوصù في اواخرها مع سقوط النظام الهاشمي في العراق، كان هم الملك الفتي آنذاك قد اصبح الاحتفاظ بالأردن، بعدما تغيرت الاجواء الاقليمية والدولية تغيرù جذريù:
اقيمت الدولة العبرية، وصعد جيل جديد بافكار يسارية الى قيادة الحركة القومية العربية انطلاقù من مصر عبد الناصر.
كان عهد عبدالله عهد دول نشأت بعد الحرب العالمية الاولى في المشرق المجزأ.. أي كان عهد تكريس خرائط.
أما عهد حسين، فقد كان عهد أنظمة اخذت تهتز بعد الحرب العالمية الثانية. كان عهد تكريس انظمة.
قصة نجاح الملك حسين في البقاء طويلة ومعروفة في الخمسينات والستينات، الناصرية، ثم في اواخر الستينات والسبعينات الفلسطينية والثمانينات العراقية الايرانية..
الآن في التسعينات الاسرائيلية.. تسعينات مشروع التسوية العربية الاسرائيلية، السؤال الرئيسي بعد المعاهدة الأردنية الاسرائيلية واندفاع الملك من دون أي تردد في الرهان على هذه الوجهة من مستقبل المنطقة، هل يستعيد الملك حسين بطريقة ما مرحلة القفز فوق »الأردنة« الذي كان اي هذا القفز سمة عهد جده عبدالله، ولكن باشكال مختلفة… أي ليس نحو القدس في الشرق، بل نحو اتجاهات أخرى.
في البعد العراقي المستجد لدوره، ظهر فجأة العامل السعودي، عبر تجدد الاهتمام السعودي بعد طول تجاهل منذ ازمة الكويت والاحاديث عن قمة قريبة بين الملكين فهد وحسين.
قد لا يكون هذا التقارب السعودي الهاشمي وليد محض القناعة السعودية المعنية جدù بالوضع العراقي. بل نتيجة حجم الاهتمام الاميركي بدور الملك حسين في الظروف الجديدة للمنطقة.. فهو اذن وليد محاولة تكيف سعودية مع التطورات.. باتجاه الأردن.. وهذا بحد ذاته جديد كليù.. اذ ان تاريخ العلاقات السعودية الأردنية في العقود الأخيرة هو تاريخ سعي الملك حسين للتكيف مع التحولات تجاه السعودية لا العكس.
اذن عنصر »القوة« الأردني في هذا السياق واضح، واحد مؤشراته الحركة السعودية.
صحيح ان من السابق لأوانه توقع المنحى النهائي للأمور، في لعبة لا يتحكم بها أي طرف عربي اصلاً، بسبب حجم النفوذ الاميركي في المنطقة، غير ان هذه المؤشرات قد تدفع سريعù الى السؤال الذي يمكن ان يساعد على »الفرز«.. على فرز اتجاهات بعض السياسات العربية وفهم آفاق الدور الهاشمي »خارج« الأردن الأردني وخارج الأردن »الفلسطيني«.. باتجاه محاور جديدة جغرافية سياسية.. هو:
من له مصلحة بين قوى المنطقة الخارجية والمحلية.. بتغيير »الستاتيكو« العراقي الحالي.. أي عراق محاصر، ضعيف، معزول بقيادة صدام حسين؟
بكلام أبسط: من له مصلحة بتغيير صدام حسين بين هذه القوى؟
الجواب.. ربما لن يعثر على اصحاب مصلحة اكيدين في هذا التغيير.. معظم المعنيين على الأقل ولأسباب عديدة..
وقبل هذا التغيير.. الاجوبة حول الملك حسين »ما فوق الأردني« مؤجلة أيضù. فالمصلحة الاميركية الاسرائيلية أفعل بكثير من مصلحته.. حتى لو عاد ليكون احد اكثر الانظمة العربية المؤتمنة في الغرب.

Exit mobile version