طلال سلمان

من زيارة نجاد الى لقاء رياض عراق مدخل حل في لبنان؟

سينتبه اللبنانيون، في يوم آت، الى أن زيارة الرئيس الإيراني الدكتور محمود أحمدي نجاد حملت بشارة خير لهذا الوطن الصغير، خلافاً لما تخوّف منه بعض المستجدين على العمل السياسي، أو أولئك الذين يعميهم الغرض عن القراءة الصحيحة للتحوّلات، فيتوغلون في سوء التقدير لأنهم لا يملكون الحق في التراجع عن الخطأ ما لم تأتهم الإشارة من «المركز» البعيد.
لقد عرف الرئيس الإيراني كيف يدخل لبنان وكيف يتصرف في غابته الكثيفة التي تتشابك فيها مصالح الدول وأغراض الأطراف المتعددة الحساسيات، طائفياً ومذهبياً وعرقياً، ثم كيف يخرج منه وقد أجبر كثيرين من خصوم ثورته الإسلامية والمتخوّفين من «المشروع الامبراطوري الفارسي» على إعادة النظر في تقديراتهم واستنتاجاتهم المتسرعة والمبنية على حكم مسبق.
وليس من المبالغة القول إن تلك الزيارة قد نجحت بقدر ما انضبط صاحبها ضمن الأصول، وكذلك ضمن موجبات الوفاق الداخلي وما يساعد في الوصول إليه، مراعياً الحساسيات العربية، بدءاً بالسعودية، مروراً بالأردن.. ملبياً التوصية السورية التي شددت عليه بضرورة الانتباه إلى أن كل كلمة يقولها في لبنان سيتردد صداها ـ في هذه اللحظة ـ في العراق فتسهم في تقريب موعد الحل السياسي في بغداد أو تتسبّب في تعجيل الانفجار الذي لن ينحصر في أرض الرافدين، بل سيمتد بامتداد الأرض العربية من أقصى الخليج إلى بيروت على المتوسط.
وفي تقدير بعض الخبراء في تحليل مفاجآت السياسات العربية أن الزيارة الخاطفة التي قام بها، أمس، الرئيس السوري بشار الأسد إلى الرياض ولقاءه الطارئ ـ مكاناً وزماناً ـ مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، إنما كان موضوعهما الأول عراقياً، وإن ظل لبنان أساسياً على جدول أعمالهما… والمأمول أن يكون الطرفان قد توصلا إلى صياغة مشتركة لمستقبل الحكم في بغداد، تطمئن الجميع.
ولعل الضيف الذي يرى نفسه في بيروت «من أبناء البلد»، السفير الأميركي السابق والمساعد الأول لوزيرة الخارجية في شؤون المشرق العربي، جيفري فيلتمان، قد جاء في التوقيت ذاته، ليطمئن إلى «الشق اللبناني» من نتائج زيارة الرئيس الإيراني واحتمالات تأثيرها على مستقبل «العملية السياسية» في العراق.. وعساه لا ينجح في تخريب ما كان الاتفاق عليه في خانة الاحتمال القريب.
فالترابط بين مشاريع الحلول الجاري الآن تداولها مؤكد، بل انه يمتد إلى الطرف الجنوبي «للقارة العربية»، اليمن، مع استطلاع سريع لتأثيرها على أوضاع الخليج العربي عامة.
[ [ [
… ونعود إلى «الداخل» لنكتشف، مجدداً، اتساع هذا اللبنان الذي يضيق بسكانه المعدودين فيطردهم من جنته إلى أربع رياح الأرض سعياً إلى الرزق والاطمئنان إلى مستقبل الأبناء، لكن «الدول» جميعاً تجده رحباً، فسيحاً، يمكن لكل منها، وأي منها، بحسب أسباب القوة والنفوذ، أن تجد مساحة لها فيه… وهكذا يتمدد نفوذ «الدول» الذي قد يتخذ شكل التأثير السياسي أو الاستثمار العقاري أو المتعة السياحية، بكل ما يرافق ذلك من تدابير احترازية تأتي برجال المخابرات وجواسيس المال ونساء الليل والجمعيات الدولية للعمل العام الذي قد يشمل ـ في ما يشمل ـ تربية الأبقار وجمعيات الحمل من دون آباء، وكل ما يسمح باختراق المجتمعات والتدخل «لترشيد» الرأي العام وتعليمه الديموقراطية عن طريق إرشاده إلى كيفية إدخال ورقته في الصندوقة الانتخابية… والوعي مدخل المستقبل، كما تعلمون.
الكل الآن يردد بشيء من الحسرة أو الندم أو التباهي بالإنجاز:
ـ لو أن الحل بأيدينا، نحن في الداخل، لهان الأمر! لكن المسألة صارت بأيدي الدول! وماذا يمكن لهذا الوطن الصغير أن يفعل مع الدول.. مع مجلس الأمن مثلاً، مع الأمم المتحدة، مع المحكمة الدولية التي لا تقطع النيابة العامة فيها خيط القطن من دون الرجوع إلى مرجع الكون جميعاً: الأمين العام بان كي مون! وها هي قد رجعت إليه مؤخراً، في بعض التفاصيل فأمر بأن يمضي العدل في مجراه… حتى الفتنة التي لا تبقي حجراً على حجر!
أما مَن أنيطت بهم مسألة العدل في الداخل فلا يملكون حق الفتوى، لأن «مرجعيتهم السياسية» هي المرجع الصالح في المسائل القانونية، وهي قد عكفت على دراستها لما يزيد على عقد من السنين، في مكان مزدحم بجثث الشهداء من ضحاياها… فهل أصلح من مرجعية كهذه لإقامة العدل بين الناس؟!
وعبر هذين المثلين يمكنك أن تتأكد من أن العدالة في أيد أمينة، وأن لا سياسة ولا تسييس، ولا اتجار بدم الشهداء ولا استغلال لعواطف الناس، ولا إثارة للغرائز ولا تهييج للمشاعر الطائفية أو المذهبية، ولا من ينفخ في رياح الفتنة من أجل الكسب الشعبوي الرخيص على حساب وحدة الشعب والأرض والدولة!
[ [ [
… وعلى ذكر الأمم المتحدة، فلا بد من التوقف، للحظة، أمام التهديد النووي الذي تفتقت عنه عبقرية بعض المسؤولين من أهل النظام العربي ووجد فيه بعض أهل «السلطة» التي لا سلطة لها على أي شبر من فلسطين، حلاً مثالياً وغير مسبوق ومفاده: أن نذهب بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة فنستصدرها قراراً بإقامة الدولة الفلسطينية، كرد مدمّر لإعلان إسرائيل ذاتها دولة يهود العالم… الديموقراطية!
كأن الأمم المتحدة قد وجدت بالأمس، فقط، ولم تسمع بالقضية الفلسطينية من قبل، ولا هي من شرّع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وأقر شرعية دولة إسرائيل من قبل أن تقوم فعلاً..
أو كأن هذه المنظمة العجوز التي تحوّلت إلى مجرد ختم للتصديق على الحروب الأميركية التي ـ يا للمصادفة ـ لا تدور إلا على أرض دول عربية وإسلامية، فتدمرها وتفتك بشعوبها ـ قتلاً وتشريداً وتفتيتاً لكياناتهم السياسية ـ ما زالت صالحة أو مؤهلة أو قادرة على استصدار «توصية» ـ مجرد توصية ـ بلوم إسرائيل أو حتى لفت نظرها إلى جرائمها الفظيعة ضد الإنسانية في فلسطين جميعاً، من الأغوار وحتى غزة!
[ [ [
نعود إلى الخبر الذي نتمنى أن يكون «بشارة خير»: اللقاء المفاجئ والسريع الذي انعقد مساء أمس في القاعة الملكية بالمطار العسكري في الرياض، بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد.
لقد رأى فيه المراقبون مساحة للتفاهم على مسائل مهمة كان يجري العمل لإيصالها إلى خواتيم طيبة، أبرزها العراق وبعده أو معه لبنان، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك الطوائف والمذاهب والعواطف والأحقاد المترسبة عبر التاريخ، والتي تجد دائماً من يحركها ليستثمرها مجدداً في شطب الغد العربي والتمكين لإسرائيل بالفتنة أو بالعكس.
وعسى التمني يكون له من الوقائع ما يبرره ويجعله حقيقة.

Exit mobile version