طلال سلمان

من حقنا أن نعرف مَن هي <الدول العشر>؟

لا يجوز أن تمر واقعة خطيرة كالتي حدثت أمس الأول، في مجلس الأمن الدولي مرور الكرام، أقله بالنسبة للبنانيين، لأي اتجاه أو تيار سياسي انتموا، لا سيما أن الواقعة تتصل بالحقيقة حول المحرضين والمخططين والمنفذين لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. وهي جريمة تكاد تعادل اغتيال لبنان ذاته.
الواقعة ببساطة: أن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية قد رفضتا المطلب الروسي بضرورة كشف أسماء الدول العشر التي أشار إليها تقرير المحقق الدولي سيرج برامرتز باتهام محدد هو أنها لم تتعاون مع اللجنة الدولية التي شكّلها مجلس الأمن للتحقيق في الجريمة الزلزال.
لم يتم مثل هذا الأمر سراً، بل إن المندوب الروسي لدى مجلس الأمن قد وقف أمام العالم كله يعلن هذه الفضيحة المدوّية … وكذلك فإن الرفض الفرنسي الأميركي قد تمّ علناً، وبلا أي تهيّب من ردود الفعل عليه، أقله لبنانياً وعربياً.
قد يكون تسرعاً أن نعتبر هاتين الدولتين، فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، من بين الدول العشر المعنية، لكن ثمة وقائع وقرائن عديدة حول مسلكهما من هذا التحقيق تكاد تشير إليهما بمنطق كاد المريب أن يقول خذوني ، أولها وأخطرها تصديهما وبشكل مشترك لكتم المعلومات عن الدول التي لم تتعاون..
أبرز هذه الوقائع (العملية) أن هاتين الدولتين، تحديداً، كانتا أعظم المستفيدين من الارتدادات العكسية لهذه الجريمة، وأبرزها وأخطرها إخراج سوريا من لبنان بطريقة أقل ما يقال فيها إنها مهينة وأنها قد تركت ولسوف تترك المزيد من الآثار المدمرة على العلاقات بين البلدين الشقيقين.
وبالتأكيد فإن السلوك المتعثر للنظام السوري، والذي بدا قاصراً عن إدراك هول الجريمة، ومرتبكاً في دفع التهمة الفظيعة التي طاردته بحكم مسؤوليته المباشرة عن لبنان جميعاً، دولة
ومؤسسات وأجهزة أمنية، قد وضعه في قلب دائرة الاتهام، بل أغرى خصومه في الداخل والخارج بالقفز إلى إدانته سلفاً، ومن قبل أن تباشر اللجنة الدولية تحقيقها، وسط أجواء محلية وعربية ودولية مساعدة، بل مشجعة، ولأغراض متعددة… في حين أن حلفاءه و أصدقاءه بدوا غارقين في حرج ممض لم يستطيعوا التحرر منه حتى اليوم.
وبمعزل عن إنجازات المحقق السابق الألماني ضابط المخابرات ديتليف ميليس، وعن الشبهات التي حامت حول استنتاجاته التي ثبت في ما بعد أن الغرض السياسي (من ضمن أغراض أخرى) قد أملاها عليه، مستفيداً من القصور السوري الفاضح في التعامل مع قضية بخطورة اغتيال رفيق الحريري.
.. وبمعزل عن التنويه بأن خلفه المحقق البلجيكي برامرتز قد لقي من السلطات السورية تعاوناً اعتبره مرضياً إجمالاً ، خصوصاً أن القيادة السورية قد استقبلته ثم مكّنت لجنته من إجراء العديد من اللقاءات مع كثير ممن طلب أن يلتقيهم ممن ظلت أسماؤهم طي الكتمان..
.. وبمعزل عن اللغط الذي تناول الموقف الروسي من نصوص الاتفاق الخاص بالمحكمة ذات الطابع الدولي، واعتباره شفاعة تهدف إلى إنقاذ النظام السوري أو تخفيف التهمة عنه.
بمعزل عن هذا كله فالحقيقة الماثلة أمام عيوننا، وانطلاقاً من التقرير الأخير لسيرج برامرتز أن عشر دول لم تتعاون مع لجنته..
يتصل بهذه الحقيقة أن دولتين من كبار الكبار بين أصدقاء لبنان الجديد، وبين المقاتلين من أجل المحكمة ذات الطابع الدولي، وبين أخطر المستثمرين السياسيين للجريمة الفظيعة وتداعياتها التي لما تزل تتوالى بآثارها السلبية على لبنان وعلى سوريا أيضاً، هما اللتان اعترضتا على المطلب الروسي في مجلس الأمن بالكشف عن أسماء الدول غير المتعاونة..
ويتصل بهذه الحقيقة أيضاً أن فرنسا وهي إحدى هاتين الدولتين تحتجز حتى اليوم الشاهد الملك زهير الصديق، فتتمنع عن تسليمه إلى السلطات القضائية في لبنان، وترفض أن تسمح لمحققين لبنانيين باستجوابه حيث تقيم عليه الحراسة، رغم ثبوت الزور والتزوير في شهادته المركبة والتي تتوالى طبعاتها فصولاً منقحة ومزيدة كمسلسل بوليسي رديء..
إن من حق اللبنانيين جميعاً أن يعرفوا من هي الدول التي رفضت التعاون مع اللجنة الدولية؟! ومن حقهم أيضاً أن يعرفوا، وعلى وجه التحديد، لماذا رفضت هذه الدول أن تتعاون، ومدى تأثير عدم تعاونها على الجهود المبذولة لكشف الحقيقة وتحديد المتهمين بارتكاب هذه الجريمة الفظيعة التي تكاد تبدّل وجه لبنان بعدما نقلته من موقعه الطبيعي إلى موقع مرتجل تحكّمت في تحديده الرغبة في الثأر لدماء الرئيس الشهيد، معززة بمصالح الدول، ولا سيما الكبرى منها، وبالتحديد الدولتين المعترضتين على كشف غير المتعاونين مع التحقيق الهادف لإظهار الحقيقة.
ومن غرائب الأمور أن تنشب حرب سياسية هائلة وبكل الأسلحة، على نصوص في مسودة المحكمة ذات الطابع الدولي التي سوف تنشأ بعد انتهاء التحقيق ثم لا يهتم المعنيون بكشف الحقيقة بمعرفة الدول غير المتعاونة في التحقيق الدولي ذاته، والتعرف إلى أسباب عزوفها عن التعاون، ومدى تأثير عدم تعاونها على جلاء الحقيقة كاملة غير منقوصة..
والأخطر أن تتصدى الدولتان الأعظم إفادة من الجريمة ومن استمرار الغموض حولها، لمنع الوصول إلى الحقيقة، بالتستر على الذين رفضوا وما زالوا يرفضون علناً التعاون مع لجنة التحقيق الدولية.
على أن التأمل في التداعيات السياسية التي أودت بحياة رجل العرب الدولي الرئيس رفيق الحريري، قد يكشف بعض الأسرار التي تحاول الإدارة الأميركية والرئاسة الفرنسية التستر عليها.

Exit mobile version