طلال سلمان

من جامعة عربية الى »دول جوار« احتلال عراق يستقوي فتنة

كل شيء هادئ على »الجبهة العربية«… ولا جديد يستحق الاهتمام غير المشروع الأميركي لطمس »العرب«، هوية ومصيراً، في »شرق أوسط موسّع«، قلبه إسرائيلي وتمويله أوروبي، وهدفه مرة أخرى! ملء الفراغ السياسي فيه الذي يتبدى الآن جلياً وكأن الاحتلال العسكري أعجز من أن يغطيه ويموّهه بشعارات »الديموقراطية«…
… وها هو الحكم في لبنان يمنح نفسه (واللبنانيين) إجازة جديدة، برازيلية هذه المرة، مطمئناً إلى سلامة الأوضاع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، خصوصاً وقد أضفت الطبيعة مصداقية استثنائية على حملته الإعلانية لتسويق مزاياه الفريدة: فها هو يتفوّق ويتذوّق ويتسوّق وينزلق، فعلاً، فوق ثلج جبال الفضائح، في ما يشبه رقصة »السامبا« التي سيتعرّف الحكم إلى أصولها بالعين المجردة قبل كرنفال الريو الشهير وخلاله وبعده.
ليس ثمة ما يقلق في الداخل: فكل شيء هادئ على جبهات الحكم الذي يتصرف وكأن انشقاقاته المتوالية، المدوية العناوين، هي سر قوته وثباته، بحيث أنه متى وقعت يده على الكهرباء »صعقها فقتلها«، أما الهاتف الخلوي فكلما تقدم في معالجة عقود المزايدة والمناقصة خاف المواطن أن يدفع غرامات أعلى للشركتين اللتين »عوقبتا« مرة بزيادة أرباح التشغيل ومرة ثانية بالتعويض عن الإنهاء المبكّر لعقديهما ومرة ثالثة بالتحكيم المتأخر وبالإدارة التي تقع في منزلة بين المنزلتين.
أما في الخارج، فقد صار للسياسات موضوع أوحد هو: الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكل ما عداها تفاصيل، ولا تجوز المشاغبة على إدارة جورج بوش لا بالموضوع الفلسطيني الذي يفضل تركه يختنق خلف جدار الفصل العنصري الذي يقيمه شارون لتحصين صديقه في واشنطن بالتمكين للاحتلال الإسرائيلي هنا، ولا بموضوع الاحتلال الأميركي للعراق والذي يفضل التعامل معه بتعقل حتى لا يذهب به أهله إلى الحرب الأهلية، بينما جاءتهم جيوش الاحتلال لكي تثبت وحدتهم الوطنية بالديموقراطية.
وبين المفارقات اللافتة، بتزامنها على الأقل، أن الحاكم الأميركي للعراق، بول بريمر وقف أمس، في مبنى »وزارة حقوق الإنسان«، التي وصفها بأنها الأولى من نوعها، ليتباهى بهذا الإنجاز للاحتلال العسكري، في حين كانت »دول الجوار العراقي« تختتم اجتماعها الدوري السادس في الكويت، وتذيع بيانها الختامي، الذي تعيد فيه »التأكيد على وحدة الأراضي العراقية واحترامها لسيادة العراق واستقلاله ووحدته والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية له، ودعوة الأطراف الأخرى لاتباع النهج ذاته والتأكيد على حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله السياسي بنفسه«.
على أن هذه الدول التي تحاول تخطي الاختلاف في ما بينها حول »النظام العراقي« المقبل، الذي سيخرج من رحم مرحلة الاحتلال، لا تملك ما تعطيه إلا الإلحاح على الأمم المتحدة بأن تتولى عبر تنفيذ قرارات مجلس الأمن »تسهيل نقل السلطة إلى الشعب العراقي في تاريخ 30 حزيران، وفقاً للاتفاق بين الأمم المتحدة وسلطة مجلس الحكم في بغداد، والذي تمّ في 15 تشرين الثاني 2003.
* * *
ليس »مؤتمر دول الجوار« مجلس وصاية، بطبيعة الحال، فلا هي تملك تفويضاً دولياً، ولا هي معتمدة من قوة الاحتلال… وهي في نهاية المطاف، في موقع الدفاع عن النفس، وينصرف همّها أساساً إلى منع تشظي العراق حتى لا تغرق المنطقة عموماً في حمأة الانقسامات العرقية والطائفية والمذهبية.
وقبل هذا المؤتمر كانت البعثة الخاصة التي أوفدتها جامعة الدول العربية قد عادت من جولتها الواسعة على مختلف ألوان الطيف العراقي، سياسياً وعرقياً ومذهبياً، بصورة مفزعة: لقد عقدت لقاءات مع ستمئة من ممثلي أكثر من مئة وخمسين حزباً (!!)، معظمها حديث الولادة ومحدود التأثير، وبعضها قديم متهالك عائد من المنفى بتصورات تنتمي إلى الماضي، وإلى جانب هؤلاء المرجعيات الطائفية والمذهبية وعشرات من الهيئات والجمعيات التي نبتت كالفطر في العراق تحت الاحتلال.
أما النتيجة التي انتهت إليها البعثة وحذرت من خطر وقوعها، قريباً إن لم يتم استدراك التداعيات والتشققات وعمليات التحريض اليومي على الفتنة، تارة تحت لافتة عنصرية، وطوراً تحت لافتة مذهبية، فهي: ان وحدة العراق مهددة جدياً، وأن ثمة من قد لا يتورّع عن إشعال نيران الحرب الأهلية سعياً إلى السلطة، ولو على جزء من العراق، ولو محتلاً.
طبعاً ثمة قيادات مخلصة تتخوف على وحدة العراق وعلى عروبته، التي لا تجد من يتذكرها بين كثرة من أعضاء مجلس الحكم، كما لا تجد في المناخ السياسي العربي السائد من هو قادر على التعهد بالعمل لحمايتها…
وثمة من يرفع راية الإسلام السياسي بديلاً من العروبة بذريعة حماية وحدة العراق، وكأن عروبته الثابتة والمؤكدة منذ قيام دولته الحديثة قبل ثمانين عاماً على الأقل، تحولت فجأة وبذريعة الانتقام من طغيان صدام حسين إلى عامل تهديم »للوطن الموحد«، مما يزكي الاحتلال الأميركي وكأنه ضامن لهذه الوحدة (بفعل »مونته« على الأكراد الذين لم ينكروا يوماً ولم ينكر عليهم اخوتهم في العراق، عراقيتهم وحقهم في نوع من الحكم الذاتي).
ومؤكد ان اللوحة التي عاد بها موفد الأمم المتحدة إلى العراق، الأخضر الإبراهيمي، وهو الخبير الدولي المحلف بكيفية معالجة الآثار السياسية المدمرة للحروب الأهلية، لا تختلف كثيراً عما عادت به بعثة الجامعة العربية، خصوصاً وقد رفع صوته وهو في بغداد محذراً من ان يضيع العراق في غياهب الفتنة.
الكل يحيل »القضية« إلى الأمم التحدة.
والأمم المتحدة مغلولة اليدين محكومة، ومعها مجلس الأمن، بالقرار الأميركي… وقد تأكدت هذه الحقيقة عبر القرارات التي منع اتخاذها، وعبر القرارات المضادة التي فرض على مجلس الأمن اتخاذها »لتقنين« الحرب الأميركية على العراق وتشريع الاحتلال الأميركي لأراضيه بالذرائع التي ثبت كذبها وأولها الادعاء بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل.
على ان اجتماع دول الجوار العراقي قد سجل نقطة ايجابية عبر الموقف الذي ألح عليه »وزير الخارجية« هوشيار زيباري، (الذي غاب عن الاجتماع السابق في دمشق لأسباب بروتوكولية!! تركت انطباعاً سياسياً سلبياً) وهو التوكيد على وحدة العراق، انطلاقاً من ان أياً من عناصره لا يرغب بالانفصال، ومعيداً التذكير بأن اكراد العراق لا يمكن أن يكونوا السبب في تقسيمه، بل هم سيعملون على تعزيز وحدته في كيانه السياسي القائم.
* * *
هل تملك الأمم المتحدة ان تعطي العراق ما يحتاجه؟!
لقد اكتفت معظم الدول العربية حتى الآن، بالتعامل مع »الأمر الواقع«، على طريقة »العين بصيرة واليد قصيرة«.
وها هي دول الجوار تعطي »احسن ما عندها«، أي التوكيد على حرصها على وحدة الكيان السياسي للعراق، ووحدة شعبه، وإدانة »الإرهاب« الذي يضرب، عشوائياً، ويقتل بغير تمييز، بحيث كان بين ضحاياه الكثيرون ممن جاءوا تحت راية الأمم المتحدة لمساعدة العراقيين في حياتهم اليومية، كما في حماية كيانهم السياسي.
ويبقى كل شيء معلقاً بالقرار الأميركي، أو بتحديد أدق: باحتياج الإدارة الأميركية إلى أي عراق في انتخاباتها الرئاسية؟!
يمكن، أيضاً، إضافة سؤال عن موقع »العراق الجديد« في المشروع الأميركي الجديد »للشرق الأوسط الموسع«!.
أما »القمة العربية« فمن الصعب ان يكون لها موقف من مسألة العراق.
إذ إن اجتمعت دولها على موقف عز عليها عقد القمة.
ثم ان القرار الأميركي غير جاهز فلماذا يراد للقمة ان تتعجل، والعجلة دائماً من الشيطان!

Exit mobile version