طلال سلمان

من بعد الخاشقجي؟

الخاشقجي لم يكن اولاً، ولن يكون الأخير.

من يصِّدق اننا بشر؟

نحن بشر حقيقيون: نولد وننجب ونكبر ونحب ونتعلم وننتج ونكتب ونتعب ونكدح ونشقى ونحلم و…

كغيرنا من الشعوب الفاضلة نحن. امراضنا عدوى من غيرنا. نتطلع إلى المستقبل ونراه في اجيالنا القادمة. نحب الحرية كثيراً، وقد منعت عنا. نريد أن نحيا بكرامة، وقد سحقنا بعنف المذلة وطرق الإكراه وسهولة شراء الذمم. نتمنى أن نحيا في وطن / أوطان كمواطنين، نتحمل مسؤولية حاضر صعب ومستقبل ليس مستحيلاً.

كغيرنا من الشعوب، وليس أقل ابداً. لدينا تراث انساني عظيم وانفتاح مثمر ومشاركة حقيقية. لسنا سقط المتاع. لدينا ما نعتز به وما نحفظه في الوجدان والعقل… وكغيرنا من الشعوب لدينا ما نخجل به من سلطات متعاقبة، حفلت بالعنف والارتكاب والجريمة… لقد قلدت الطغمات الحاكمة إرث النكبات، فيما حاولت الشعوب أن تقلد اصالتها.

نحن كل ذلك وأكثر. هم الحكام ونحن البشر. انما، من يصدق، بعد تحويل البلاد إلى مسلخ بشري، اننا من صنف الانسان؟ من يقنع جحافل الاستبداد السياسي والديني اننا لسنا نعالاً؟ اننا لسنا بضاعة؟ اننا لسنا سلعة؟ اننا لسنا عبيداً؟ اننا لسنا الأعداء؟

لا حاجة إلى براهين. لقد نُكبنا بأنظمة تعادي شعوبها، من دون ارتكاب. الانظمة هذه، منذ مئة عام، حتى هذا العام، نصَّبت شعوبها اعداء، هكذا، ومن دون ذنب، ثم تمرست بالرماية عليه. لقد نكبنا، من المحيط إلى الخليج بأنظمة تكره وتعادي الحرية.

دليلنا إلى ذلك، سيرة السجون العربية. عبقرية التعذيب والقتل والسحل والإخفاء والتقطيع، مدرسة عربية متفوقة في فنون القمع. هل من عاقل يشرح للعرب والعالم، الخزي والعار والمذلة والإهانة، التي نضحت به عملية قتل الخاشقجي؟ من الأبله الذي سيصدق فتاوى المملكة في توليف رواية هزلية لجريمة نكراء؟ باستثناء دونالد ترامب، أفدح مسخ سياسي مناسب للتحالف مع جلالة المملكة المظلمة، من يصدق؟ افتحوا ملفات السجون العربية، ستجدون محمد بن سلمان، على رأس لائحة من الذين مارسوا فنون الارتكاب الفظيع ضد شعبوهم، كتاباً وناساً؟

نحن أمة لم ترتكب شعوبها إثماً كبيراً. هي أمة بريئة وطيبة ومثالية بفضائلها وعيوبها. ومع ذلك، فقد نالت من الاستعمار اولاً، ومن السلطات التابعة له، ثانياً، ومن اسرائيل ثالثاً، ما لم تصب امة سواها.

عمليات افساد الشعب، لم تكن من ابداع الغرب وحده. افسدتنا الانظمة القمعية والجماعات الدينية المتعاقبة. حرَّضت دينياً ومذهبياً وسياسياً وعقائدياً… استولدت بالعنف والإغراء والكذب والتسلط والحقارة، منظمات شعبية، وحوَّلتها إلى ذيل سياسي مذهبي رجعي، يقوم بمهمات ميلشياوية على نمط عصابات الاجرام وجلاوزة الظلام.

حوَّلوا مؤسسات دولهم إلى كونتوارات لبيع النفوذ وشراء الذمم واعتقال الشرفاء والضعفاء… بثوا عيونهم الكالحة، جواسيس ومفسدين ومرتكبين. تحوَّلت الدولة إلى فزَّاعة فقط. اهانوا الانسان في وجوده الحاف وفقره المدنف وحريته الحميمة، وأرغموا الناس على تأدية فروض الطاعة والانسحاق والذيلية، لطغمة الملوك والامراء والسلاطين والرؤساء “المنتخبين” والقادة وأجهزة الأمن… صدق زكريا تامر. حوَّلوا النمور في اليوم العاشر إلى حمير، ثم سموا الحمير مواطنين … يا للعار.

نتعامل مع الحرام فقط. لا يمكن تعداد جرائم السلطات المتعاقبة والمنظمات المستولدة من رحم اجهزة الأمن وأجهزة الفتاوى. المنظمات الإرهابية وليد شرعي لهذه الطغمة المزدوجة. هذا العنف المتمادي، واساليب الاغتيال السياسي، هي وليد شرعي لأنظمة الإرهاب والترهيب.

حتى لبنان، الموصوف “بالحرية” الفالتة، لم ينج من القمع الرسمي ومن القمع الميليشياوي. لقد ذبح لبنان اهله في زمن الحرب، وفي زمن السلم، تفرد بقتل رجل مفكر ومبدع. خلال ساعات، حكموا على انطون سعادة بالإعدام، من دون محاكمة. جريمة عصر “الديمقراطية” بصبغتها البربرية.

لقد ضربنا الرقم القياسي في حروبنا الاهلية. من يتذكر الجزائر وسنوات الرصاص؟ سوريا دم ينسكب بحقد غير مسبوق وبعنف لا يرتوي. اليمن يجوع ويقتل ويموت. مصر جمهورية الصمت والقمع. ليبيا من سلالة القبائل. لائحة حروب الانظمة على شعوبها أكبر من ذلك بكثير. العراق نموذجاً… وتبقى عملية قتل الخاشقجي، نموذجاً من نماذج تعاطي السعودية مع معارضيها، مع ضرورة التذكير، بأن ماضي الانظمة العربية وحاضرها، هو ماض وحاضر استبدادي. وأبرز صفات الاستبداد القتل والتعذيب والاخفاء ببشاعة فرنكشتاينية.

مؤسف أن يكون عدد وافر من المثقفين تحت عباءة انظمة الاستبداد والقمع، اضافة إلى اعداد متدافعة من الاعلاميين، كهنة الهياكل السياسية المترامية عربياً.

بعد كل ذلك، من يصدق اننا بشر؟

بلى! نحن بشر حقيقيون. ولذلك تخافنا الانظمة… نعم، سبب عنف الانظمة، خوفها من شعوبها… شعوبنا، آلهتنا الكبيرة.

 

Exit mobile version