طلال سلمان

منح الصلح والصحافة

يتيمز منح الصلح بالجمع بين الغنى في الأفكار والغنى في الذكريات والغنى في المعلومات. انه أحد قلائل “العارفين”. وهو يكاد يعرف في كل ما يتصل بالعمل العام: بالثقافة بفنونها وإبداعاتها المختلفة، بالعقائد وتطبيقاتها، الناجح منها والخائب، وبالسياسة والسياسيين سواء ما له الطابع القومي العام أو الطابع الوطني وصولاً الى ذاك المبتدع خدمة للكيان بجذوره الطائفية.

ومنح الصلح يكاد يكون الصحافي الأول في لبنان، وأحد الأوائل من بين الصحافيين العرب الكبار.

فهو ليس فقط بين أوسعهم ثقافة ومعرفة تفصيلية، بل هو أيضا بين أغزرهم إنتاجا. وندر أن خلت صحيفة أو مجلة عربية من مساهمة لمنح الصلح. وفي حالات عديدة لعب منح الصلح في بعض المطبوعا أدوارا أهم من تلك التي لعبها رئيس التحرير أو مدير التحرير أو ربما مجموع المحررين.

من هنا فشهادة منح الصلح في الصحف والصحافيين في لبنان خاصة، وفي الوطن العربي عموما، تجيء أقرب الى “حكم التاريخ”، متى قرر أن يقولها أو يكتبها كاملة، إذ غالبا ما يلجأ الى التلميح والإيماء والاشارة السريعة، أو إعلان نصف الحقيقة تاركا لأصحاب العلاقة الفسحة الكافية للتعديل أو التصحيح، وسبحان من له الكمال وحده.

مساء يوم الجمعة الماضي، وبقرار واضح، قدم منح الصلح واحدة من أهم المطالعات التاريخية حول الصحافة اللبنانية ودورها العربي.

كانت المناسبة تلك الندوة التي نظمها نقيب الصحافة محمد بعلبكي لمناسبة صدور الكتاب ـ المجلد: “سر المهنة… وأسرار أخرى” الذي أصدرته “دار النهار للنشر”، وفيه حكاية غسان تويني مع “النهار”، والى جانبها حكاية الصحافة مع السياسة في لبنان، أقله من وجهة نظر غسان تويني ومن خلال استعراض تفصيلي لدور “النهار” منذ أن أصدرها جبران تويني (الأب) وحتى لحظة تسليمها الى جبران الحفيد… أي حقبة غسان تويني، وهي أغنى تلك الحقب إطلاقا.

لقد تجاوز منح الصلح ذاته في هذه المطالعة ـ الوثيقة.

لقد قال كامل رأيه، وحدد موقفه بوضوح. لم يحجب الاستدراك الذي تعوّد أن يسمعه منه أصحابه بعد فقرة المديح الأولى، والذي يستهله عادة بتعبير “ولكن” أو “إنما”،

كان التقييم موضوعيا، دقيقا وشاملاً.

وكانت الأحكام، أو مشاريع الأحكام، التي أعدها منح الصلح، تليق باللحظة التاريخية التي نعيش، وبالمناسبة، وبالدار التي احتضنها.

مطالعة منح الصلح مرجع ضروري سيعود إليه بعد اليوم كل دارس للصحافة في لبنان، ولدورها في خدمة قضية الحريات والديموقراطية السياسية في لبنان كما في سائر أرجاء الوطن العربي.

تحية لمنح الصلح الذي يعرف تماما متى وكيف وأين يتحول من شاهد الى قاض له بعض وقار التاريخ.

Exit mobile version