طلال سلمان

مناورة ام مقامرة

لا يحتاج اللبنانيون إلى أدلة إضافية على وجود قرار دولي رفيع المستوى بإبقاء جراحهم مفتوحة، حتى إشعار آخر!
هذا يعني أن لجراحهم وظيفة حيوية في تحسين شروط بعض القوى العظمى التي ترعى الحالة الانقسامية الراهنة في لبنان. وليس من باب التكهن القول إن الإدارة الأميركية على وجه التحديد ومعها الآن وبحماسة ملفتة الرئيس الفرنسي جاك شيراك يعترضان وبشراسة على إقفال الجرح اللبناني.
ويمكن الافتراض، من دون تعسف، أن مثل هذا المناخ الدولي المانع لإقفال الجرح اللبناني قد تبدى واضحاً خلال شهور التعثر الطويلة التي تعرضت لها المبادرة العربية التي تولاها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ثم المساعي السعودية التي لما تنتهِ إلى نتيجة محددة..
أكثر من ذلك: يمكن الافتراض أن إطالة عمر الأزمة في لبنان، وبالتالي ترك الجرح مفتوحاً فيه، كان بين القرارات الضمنية التي لم تعلنها القمة العربية في الرياض.
.. وإلا كيف نفسّر نجاح المملكة التي يتقاطع على رايتها السيف المذهّب مع الشعار الإسلامي في إلزام طرفي السلطة الفلسطينية التي لا تملك من أمرها شيئاً، على القدوم إليها، وعقد اتفاق حكومة الوحدة الوطنية في رحاب مكة المكرمة، ثم قيام هذه الحكومة فعلاً برغم كل الصعاب الكأداء التي كانت تعترض ولادتها وما زالت تعترض مسيرتها.
… وكيف نفسّر نجاح المملكة في تجديد عرض التسوية (الجماعية) على إسرائيل تحت عنوان مبادرة السلام التي سبق أن قُدّمت فرفضتها تل أبيب قبل خمس سنوات، وهي التي تنص على صلح إجماعي عربي إذا ما وافقت الحكومة الإسرائيلية على السماح بإقامة دويلة فلسطينية على أقل القليل من الأرض المقطّعة بجدار الفصل العنصري وبالمستعمرات الاستيطانية وبالتوسيع المنهجي اليومي للقدس الغربية بهدف تذويب القدس العربية تماماً تمهيداً لابتلاعها..
كيف نفسّر تغاضي هذه القمة ذات المبادرة المعلنة لمصالحة إسرائيل عن الحرب الإسرائيلية على لبنان، فلم تتذكّرها ولو من قبيل ابتزاز من كان عدواً للعرب جميعاً في السابق، ولم يصبح قطعاً أقرب إليهم من لبنان؟!
لقد تحرّكت الإدارة الأميركية للاحتجاج على الملك عبد الله بن عبد العزيز لأنه وصَّف واقعاً: أن العراق تحت الاحتلال الأميركي، فطلبت إيضاحاً، وقد تطلب من بعد اعتذاراً.
وفي حين يتوالى وصول الوفود الأميركية إلى المنطقة، ومحطتها الأساسية دمشق، للبحث في ضمانات لمرحلة ما بعد خروج قوات الاحتلال الأميركي من العراق، فإن أطرافاً سياسية في لبنان تندفع للانخراط أكثر فأكثر في المشروع الأميركي الذي يعاني أصحابه حالياً أزمة الاضطرار إلى التخلي عنه، تحت ضغط الرأي العام في بلادهم، والتحوّل المؤثر في اتجاهاته عشية الحملة الانتخابية الرئاسية التي تدل المؤشرات على أن الجمهوريين لن يستطيعوا الصمود موحدين ليمنعوا هزيمتهم فيها.
يذهبون إلى الحرب والناس راجعون ، كما يقول المثل الشعبي؟!
أم أنهم يلبسون ثياب الحرب للذهاب إلى المفاوضات من موقع قوي؟!!
ولكن مَن يضمن نتائج هذه المغامرة المكشوفة عشية مسلسل من المعارك الداخلية أبرز محطاتها الانتخابات الرئاسية، وفي ظل انقسام خطير يشل ويعطل المؤسسات الدستورية كلية، ويجعل الدولة أو ما تبقى منها في مهب الريح؟!
في أي حال، لنأمل أن تكون هذه المناورة، ولو خطيرة، وليست مقامرة قد تذهب بالبلاد جميعاً.

Exit mobile version