طلال سلمان

مقدمة في مقولة تمديد من ولماذا وبمن

صارت الحبة قبة أو تكاد!
صارت النكتة »زلمي« أو تكاد!
باض الاقتراح الخبيث وأفرخ حكايات وتكتيكات، تحليلات وتخمينات تملأ أعمدة الصحف بالكلام المرسَل على السجية، وتقرع الآذان عبر »البرامج الخاصة« والندوات الاذاعية والمتلفزة التي تطرح احتمالات وتجري حسابات معقدة للربح والخسارة، سياسيù واقتصاديù في حالتي النجاح والخسارة،
وأحيا اللبنانيون سهرات طويلة يتسامرون خلالها فيتصايحون ويتعاركون وقد يتواطأون على التظاهر بالقبول، وإخفاء رفضهم للفكرة،
ومع الأيام أخذ الانقسام يحدّد نفسه عبر تيارين ناطقين وتيار ثالث صامت:
} التيار الأول مع التمديد،
} والتيار الثاني يفضّل التجديد: إذا كان لا بدَّ من قرار فلماذا البخل في العطاء، فلتكن ولاية كاملة، تعوّض سنوات العذاب والفقر والعجز والافلاس والقرارات الصعبة!
} أما التيار الثالث فلا يحدّد موقفù »معلنù«، ربما لأنه يرفض التسليم بأن عليه فعلاً أن يكشف أوراقه، وبهذا التوقيت المبكّر!
* * *
… ولأنها »سيرة وانفتحت« فلماذا يكون التمديد لواحد؟!
»إذا كان الاستقرار هو المطلب فشرطه التوازن بين أطراف السلطة«، أي بين الرؤساء الثلاثة، واستطرادù بين المؤسسات (والطوائف والمذاهب) الثلاث: رئاسة الجمهورية، رئاسة المجلس النيابي (وبالتالي مجلس ال128 كله،) ورئاسة الحكومة، (وبالتالي الحكومة الثلاثينية كلها، ولو مع شيء من التعديل المرغوب فيه والمتعذّر، حتى إشعار آخر)!!
»يمدّد سنتين، فيكون التمديد سنتين للجميع، أما إذا كان المطلوب التجديد له ولاية كاملة فمن المنطقي أن يجّدد المجلس لنفسه ولاية ثانية (أربع سنوات)، وبديهي في هذه الحالة أن يتم توفير الضمانات الكافية لاستقرار الوضع في رئاسة مجلس الوزراء، فلا يظل رئيس الحكومة »رهينة« مصيرها معلّق في يد »دائمين« وهو وحده »المؤقت« والمعرّض للزلازل والهزات اليومية المربكة«!!
* * *
حتى هذه اللحظة تبدو فكرة التمديد أو التجديد »لقيطù« لا يريد أحد أن يعترف بأبوته، برغم أن الكل منهمك في التعامل مع نتائج هذا الطرح المسموم!
البعض نسبها لبعض الطباخين المتخصِّصين في هذا اللون من الطعام الأشبه »بالطعم« المربوط بسنارة، ممسوكة بيد لا تخطئ هدفها إن هي رمت،
وقيل إن »الطباخ« باع الفكرة لواحد من »صيادي الجائعين«، فأطربته، وسعى بها في كل منتدى، يدعو إليها مبينù نفعها العميم،
وكالعادة، تهاطلت التساؤلات على رؤوس أشباه السياسيين الذين يتصدّرون المؤسسات والمنتديات كقيادات وفعاليات وممثليات شرعية للرأي العام!
}} ترى هل الفكرة منه أم ممَّن خلفه؟! هل هو مستثمر أم مجرّد مروِّج؟! وهل أن غرضه الشخصي هو السر في حماسته الفائقة، أم أن »المصلحة العامة« كما يراها المعنيون هي التي تحرّكه وتساعد في خلق الأجواء المؤاتية؟!
}} هل هي خطة محكمة لقطع الطريق على المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية وإرباكهم في علاقاتهم مع الناخبين الكبار عمومù، ومع »الناخب الأكبر« تحديدù؟!
}} وإذا كان الاقتراح قد جاء معلبù وجاهزù للبيع في السوق اللبنانية فلماذا يعتصم بعض »الوكلاء المعتمدين« بالصمت الذي يمكن تفسيره اعتراضù؟!
* * *
بعد التنويه بموقف الرئيس الياس الهراوي الذي لا يتعب من تكراره والتوكيد عليه بأنه لن يبقى في موقعه دقيقة واحدة بعد انتهاء مدة ولايته، فلا بد من تسجيل الملاحظات الآتية:
{ أ إن مجرّد طرح فكرة التمديد هو إهانة جارحة للبنانيين، كل اللبنانيين، قبل أن يكون تشهيرù برئيس الجمهورية، خصوصù بالتبريرات المزوّرة التي تساق في مجال الترويج لهذا المشروع الخبيث.
هي إدانة للبنانيين جميعù بأنهم قاصرون فعلاً، لم يبلغوا بعد سن الرشد، وأنهم لا يستطيعون التمييز بين الخير والشر وبالتالي فلا يستحقون نعمة أن ينتخبوا بأنفسهم رئيسù للجمهورية، بدليل أن النواب الذين انتخبوهم قبل سنتين غير مؤهلين لمثل هذه المهمة الدقيقة!
وعلى هذا، واستطرادù بلغة المحامين فيجب الحجر على اللبنانيين، وإبعاد اللعب المعقّدة والخطرة، كالانتخابات، عن مدى أيديهم، حتى لا يؤذوا أنفسهم…
حتى انتخاب البلديات والمختارين مهمة تتجاوز أهلية اللبنانيين الذين لا بد سيقتتلون بسببها وأي اقتتال، فلا تبقى بلدية ولا مختار، و»سبحان الباقي في الحي«!
{ ب إن مجرد القول بالتمديد حكم مبرم بالاعدام على الطبقة السياسية بأنها عاقر، جاءت بمصادفة قدرية وهي تحمل في قلبها أسباب قصورها، وهي أعجز من أن تخرج وتُخرج لبنان إلى الضوء، إلى المستقبل.
إنه إشهار إفلاس لهذه الطبقة التي تحتشد فيها ومن حولها »النخب« السياسية والتي لا تستطيع أن توفّر من يصلح لرئاسة الجمهورية، أو تتصدى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ناهيك بمناقشة مصير الحكومة (مجرّد مناقشة)، أو بالجهوزية لخوض الانتخابات البلدية،
فأن تكون هذه الطبقة، برموز الاعتراض فيها، و»الجموع« الجاهزة للأخذ ببدعة التزكية والاجماع، مستعدة للتسليم بالتمديد أو التجديد، فهذا يعني أنها »مستقيلة« من »العمل السياسي« ومن »المسؤولية العامة«، وأنها أجبن من أن تقوم بواجبها البديهي الذي انتدبت نفسها له وتعاقدت على أساسه مع المواطن: إنها تمثله في طموحه إلى التغيير، وإنها تعمل لتحقيق تطلعه إلى حياة أفضل، يتوفر له فيها الخبز مع الكرامة والحرية مع الدور.
{ ج إن مبرّرات القول بالتمديد تشهير فظيع بالدور السوري في لبنان وبحلفاء السياسة السورية من القائمين بالأمر، إذ تظهر دمشق وكأنها لم تستطع وطوال عقدين كاملين من العمل اليومي الدؤوب أن تكسب من اللبنانيين غير رجل واحد أو بضعة رجال، أعطتهم أكثر مما يستحقون فأعطوها خلسة ما لا يقبله غيرهم، وما لا يعطيه الأهم.
(هذا إذا ما نسينا للحظة التاريخ والعلاقات الطبيعية التي أنقصوها فجعلوها مميزة وأهمية الموقف السياسي، والنضال المشترك والمصير المشترك الخ…
فلا تختصر سوريا في لبنان برجل واحد أو ببضعة رجال، مهما امتدح هؤلاء أنفسهم واستدروا المديح حول أدوارهم التاريخية في إحداث التحوّل ونقل لبنان من »المدار الإسرائيلي« إلى »المدار العربي« عبر دمشق وفيها.
تلك إهانة للبنانيين لا يرضاها أحد منهم ولا ترتضيها دمشق التي تمسها هذه الإهانة فتصوّرها طرفù في المماحكات الداخلية، بل وتنزلها إلى مرتبة أدنى إذ تجعلها مجرّد »قوة قاهرة«، أو »دولة غازية« انتدبت من بين مَن التحق بها مَن يحكم باسمها (وبذرائعها) مجاميع من العملاء والجاحدين في لبنان.
* * *
الناس هم الباقون، لا الحاكم،
وللناس حقوقهم البسيطة والطبيعية، وأبسطها وأولها وأخطرها أيضù وفق النظام اللبناني، وقد سلّموا به على مضض، هو حق الانتخاب الذي يؤمّن تداول السلطة، ولا يحصر الحكم، في عائلة ملكية أو شخص فرد، كائنù مَن كان ومهما بلغت كفاءته أو تأكد »إخلاصه«.
فمَن يستفزّ الناس ويستعديهم على الحكم والطبقة السياسية وعلى دمشق أولاً وأخيرù؟!
وبقدر ما هو مهم أن يعرف »الطبّاخ« الذي اصطنع هذه »المأدبة الدسمة«، وأن تكشف أغراضه واستهدافاته ويفضح المنتفعون بها، فإن من المهم أيضù أن يستعد اللبنانيون (بنخبهم والعامة أو »الدهماء« منهم) لحماية حقوقهم وحرياتهم.
لقد التهمت الحرب الكثير من مطامح اللبنانيين وأحلامهم،
ثم التهمت المرحلة الانتقالية توقعاتهم واستحقاقهم لحد أدنى من الحياة الطبيعية، اقتصاديù واجتماعيù وسياسيù، بمعنى أن يمكّنوا من التخفّف من »خوّات« الحرب وأثقالها الطائفية والمذهبية.
لقد كانوا خلال الحرب »رهائن«، وذلك مفهوم، وحرموا من حقوقهم كافة، الجليلة منها والبسيطة، فهل من العدل أن يظلوا رهائن في ظل »السلم الأهلي« وأن يُسحب منهم ما كان تبقّى لهم من ضرورات الحياة، بينما تتزايد وباستمرار امتيازات أولئك الذين »قنصوا« السلطة باسم حلم التغيير وتحقيق العدل وتكافؤ الفرص ثم حصّنوها مجددù بالغرائز الطائفية والمذهبية المموِّهة لمنافعهم ومصالحهم وأغراضهم الشخصية؟!
والتمديد، بسياقه المطروح للتداول، يخدم أيضù وأيضù هؤلاء على حساب »رهائنهم« الذين كانوا وما زالوا في أسر العتم والخوف من الحاضر والمستقبل!

Exit mobile version