طلال سلمان

“مقترح باريس” لا يعني نهاية قريبة للعدوان

غزة ـ حلمي موسى

مع انقضاء الشهر الرابع على العدوان، وقبل حلول صباح اليوم الرابع والعشرين بعد المئة، شهدت رفح ليلة كانت من بين أسوأ ليالي الحرب جراء تواصل القصف البربري. ومع ذلك، لم يتراجع إيماننا بأنهم على باطل ومهزومون، وأننا على حق وإنّا لمنتصرون.

***

ما إن أعلن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن مساء أمس أن الدوحة تسلمت رد “حماس” حول صفقة التبادل والهدنة في غزة، موضحا أن الردّ “يتضمن بعض الملاحظات، لكن في مجمله إيجابي”، حتى انطلقت الحملة الإسرائيلية على الرد معتبرة أنه سلبي.

وإسرائيل التي تدّعي إسرائيل أن رد حماس سلبي، لم تقدم أصلا ردها على المقترح، بل ويردد وزراؤها تصريحات علنيّة ضد الصفقة من أساسها. ولم يكن غريبا أن تبادر الولايات المتّحدة، على لسان رئيسها جون بايدن، إلى تبرير الموقف الإسرائيلي من خلال إعلانه أن ملاحظات حماس “مبالغ فيها”. ومع ذلك، فإن موقف واشنطن، الساعي إلى بلورة توافق يقود إلى تفاهمات “اليوم التالي”، رأت في رد حماس خطوة يمكن البناء عليها واعتبارها تقدما ما.

وكان رئيس الوزراء القطري قد أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن عن “التفاؤل” بعد رد حماس على اتفاق الإطار، مضيفا أن “هناك المزيد من التفاوض بشأن الاتفاق ونسعى إلى التوصل لتوافق بأسرع وقت ممكن”.

من جانبه، أعلن بلينكن إنه سيناقش اليوم رد حماس مع الحكومة الإسرائيلية، موضحا أن أحد أهداف زيارته للمنطقة هو “بحثُ التفاصيل والتسلسل الزمني لمسار سيعود بالنفع على الأطراف كلّها”.

وقال بلينكن خلال المؤتمر الصحافي إنه “مازال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. لكننا ما زلنا نعتقد أن الاتفاق ممكن وهو ضروري بالفعل، وسنواصل العمل بلا كلل لتحقيقه”.

أضاف أن الاتفاق “يوفر إمكانية هدوء ممتد، وخروج الرهائن، وإدخال المزيد من المساعدات. من الواضح أن ذلك سيكون مفيداً للجميع، وأعتقد أنه يوفر أفضل طريق للمضي قدماً”.

وفي الوقت ذاته، أعلنت حماس أنها قامت بتسليم ردها حول اتفاق الإطار لكل من قطر ومصر، وذلك بعد إنجاز التشاور القيادي داخل الحركة، كما مع فصائل المقاومة.

وأشارت الحركة إلى أنها تعاملت مع المقترح “بروح إيجابية بما يضمن وقف إطلاق النار الشامل والتام، وإنهاء العدوان على شعبنا، وبما يضمن تأمين الإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنجاز عملية تبادل للأسرى”، مضيفة أنها تثمّن “دور الأشقاء في مصر وقطر وكافة الدول التي تسعى إلى وقف العدوان الغاشم على شعبنا”.

وكما سلف، اعتبر بايدن أن هناك “بعض التحرك” باتجاه اتفاق لتأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس في غزة، واصفاً، في الوقت ذاته، رد حماس بأنه “مبالغ فيه”.

وقد سبقت الإعلان عن قيام حماس بتسليم ردها لكل من قطر ومصر، حملة إعلامية وحكومية إسرائيلية شرسة ضد حماس، محملة إياها مسؤولية التأخر في الرد على المقترح، وموحية عبر الصحف الأميركية، أن هناك خلافا بين قيادتي الداخل والخارج في الحركة.

كما مورست في الكيان ضغوط إعلامية وسياسية ضد الدوحة مطالبة واشنطن بالضغط عليها لانتزاع موقف من حماس يكون مقبولا بالنسبة لإسرائيل، وبالتالي في غير مصلحة الشعب الفلسطيني.

ولم يكن عن طريق الصدفة أن يشارك رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو شخصيا في الحملة على قطر، لتعزيز الضغط عليها. وتحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية، قبل أن تنشر حماس ردها، عن أن إسرائيل أرسلت رسالة إلى الوسطاء القطريين والمصريين تطالبهم فيها بالضغط على حماس حتى تتمكن قيادة الخارج من تقديم الرد.

ونقلت “القناة 12” التلفزيونية الإسرائيلية عن “أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين” قوله إن جواب حماس كما قدمه للوسطاء – يعتبر جوابا سلبيا، فيما أوحى معلق تلفزيوني بأنه مازال هناك تفاؤل في إسرائيل التي لا تريد حرق الجسور مع الوسطاء. أي أنه، بمعنى آخر، هناك اهتمام إسرائيلي بالتحقق مما إذا كان من الممكن سد الفجوة التي تبدو عميقة في الوقت الحاضر.

وتعرف إسرائيل أن رد حماس هو نوع من “نعم ولكن”، مما يبقي الباب مفتوحا لمفاوضات مطوّلة خصوصا أن ما يجري التداول فيه ليس الاتفاق ذاته وإنما الإطار الذي يمكن أن يقود إليه. فاتفاق الإطار لا يتحدث تقريبا عن أي تفاصيل، فيما الشيطان يكمن في التفاصيل.

ومن بين أهم التفاصيل الثمن الذي سوف تدفعه إسرائيل مقابل استرداد أسراها: أولا عدد الأسرى الفلسطينيين ونوعيتهم، وثانيا ما يترتب على الاتفاق من أثر على “أهداف الحرب”، كبقاء حكم حماس وبقاء قوتها العسكرية.

وكان ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية قد أعلن أن الموساد تسلّم رد حماس من القطريين، وأنه ستتم دراسة تفاصيله بعمق من قبل الأطراف كلّها المشاركة في المفاوضات.

ومعروف أن هناك خلافات جدية داخل حكومة نتنياهو حول اتفاقية أطار باريس. وقد أبدى نتنياهو مرارا موقفه المعارض للصفقة إذا كانت ستشمل وقفا تاما لإطلاق النار أو أي انسحابات من قطاع غزة.

كما أن اليمينيين المتطرفين في حكومته من حزبي “الصهيونية الدينية” و”عوتسما يهوديت”، هددوا علنا بتفكيك ائتلافه الحكومي إذا أبرم اتفاق ينهي الحرب ويؤدي إلى سحب قوات الاحتلال من غزّة. بل حتّى أن عددا من وزراء الليكود وأعضاء الكنيست، وخصوصا من حضروا “مؤتمر الانتصار” الداعي لإعادة الاستيطان في قطاع غزة، أعلنوا أنهم لن يقبلوا بمثل هذا “العار”، حسب وصفهم.

في المقابل، هناك شريك نتنياهو الآخر في الائتلاف الحكومي وهو حزب “المعسكر الرسمي” متمثلا بكل من بيني غانتس وغادي آيزنكوت. وبالرغم من أن هذا الحزب هو أقرب إلى منطق “حزب العمل”، إلا أنه يكاد لا يختلف مع نتنياهو إلا في مسألتين: الأفق السياسي في مرحلة ما بعد الحرب، وواجب الإفراج عن الأسرى بأسرع ما يكون.

وبحسب تقديرات كثيرة فإن نتنياهو، وعلى الرغم من قربه وتمسكه بكل من بن غفير وسموتريتش، إلا أنه، وبسبب الضغط الأميركي، سوف يضطر للاختيار بين شراكته مع المتطرفين أو شراكته مع كل من غانتس وآيزنكوت، مما يسقط ائتلافه الحاكم في الحالتين.

في ظلّ ما سلف، فإن فرص إعلان الهدنة قريبا ليست عالية. والاعتبارات كثيرة، أولها، وبافتراض صدق النوايا، أن اتفاقية الإطار عمومية وتحتاج إلى مفاوضات مطولة من أجل جلاء الغموض فيها. وثانيها أن تفاصيل الاتفاق المتوقع تضمر هوة كبيرة بين توقعات الطرفين، أو على الأقل مواقفهم المعلنة.

فنتنياهو ومن معه يصرّون على أن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين يجب أن يتم وفق المعيار الذي اتبع في الهدنة السابقة: مختطف واحد مقابل ثلاثة معتقلين فلسطينيين. أمّا حماس فتطالب إما بمبدأ الكل مقابل الكل أو واحد مقابل 100 أو حتى 150. ولدى حماس سابقة وهي صفقة شاليط عندما أفلحت في إجبار إسرائيل على الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين وكثير منهم من ذوي المحكوميات العالية مقابل جندي أسير واحد.

ولكن ليست هذه القصة كلّها. وفي اعتقادي أن عدد الأسرى لن يكون الموضوع الأشد تعقيدا. فهذه الصفقة سياسية بامتياز يراد من ورائها الذهاب إلى حل الدولتين ولو بالتدريج. وهنا تبدأ الأسئلة: هل حكومة برئاسة نتنياهو الذي يعلن يوميا أنه العقبة الأخيرة أمام الدولة الفلسطينية، ستقبل بذلك؟ وهذا ليس موقف الطرف الأشد تطرفا، وإنما عن نتنياهو ورفاقه في الليكود.

ثم، هل يمكن لحماس بعدما سجلت، مع الشعب الفلسطيني، ملحمة بطولية خالدة أن تقبل بأن يكون مصيرها كمصير سنمار؟ إذ من المعلوم أن الولايات المتحدة بالإضافة إلى أنظمة عربية ودولية عدّة لا تريد حتى مشاركة حماس في أي حل.

لذلك، فإن جانبا من الصراع في الصفقة يدور حول شكل الدولة الفلسطينية التي يمكن أن تنشأ وحدود مشاركة حماس فيها، وهو أمر يتطلب وقتا ليس قصيرا للبت فيه.

وأخيرا، هناك إشكالية إجرائية تتمثل في أن القانون الإسرائيلي يلزم الحكومة بعرض أيّ اتفاق له طبيعة سياسية على الكنيست لإقراره، وبعدها تعرض الصفقة وأسماء المحررين الفلسطينيين على الجمهور لتقديم اعتراضاته القانونية عليها. وبذلك، وحتّى إن تسارعت الخطى، فإن التوصل لاتفاق فعلي ليس قريبا، حتى مع افتراض توفّر النوايا الحسنة وهي في اعتقادي مفقودة لدى حكومة نتنياهو التي ماطلت ومازالت تماطل لتأجيل انتهاء الحرب خشية أن تكون نهاية الحرب نهاية فعلية للحكومة ولرئيسها.

Exit mobile version