طلال سلمان

مفاوضات على مصافحة

انتهت الجولة الجديدة من »حرب المفاوضات« على المستوى العالي بما كان متوقعù أن تنتهي اليه: الاعلان بأن المفاوضات مستمرة،
بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية المهم الا تنقطع المفاوضات وتتعطل المسيرة التي لم يتورع الرئيس الاميركي بيل كلينتون عن وصفها بأنها رأس جدول الأولويات لديه،
اما بالنسبة لاسرائيل فأهم ما كانت تحاول أن »تقنصه« هو »المصافحة« بين رئيس أركان جيش احتلالها وبين رئيس اركان القوات العربية السورية، فالمصافحة هي الموضوع بالنسبة اليها، اذ ما الحاجة بعدها الى التفاوض، بل وماذا يتبقى للتفاوض عليه.
ومن قبل، كان للدبلوماسية السورية ممثلة بفاروق الشرع منطق متماسك لم يستطع أن يرفضه الوسيط الاميركي، في مجال تعليل رفضه المصافحة مع أي مسؤول اسرائيلي: »ان المصافحة تأتي نتيجة لتصفية حالة حرب او عداء، واعلان انتهاء الخلاف بالاتفاق… وتوكيدù على ان الطرفين قد تجاوزا خلافاتهما يمد احدهما يده ليصافح الآخر ايذانù بافتتاح مرحلة جديدة من العلاقات. ولم يحدث أبدù أن تصافح الآتيان من بحور الدم وحقول الموت وتاريخ العداء، بداية، ثم عكفا على التفاوض حول اسباب الحرب او نتائجها المدمرة«.
فاما بالنسبة لسوريا فهي قد ارتضت أن يذهب احد ابرز اركان النظام فيها، العماد حكمت الشهابي، توكيدù على جديتها في التفاوض وعلى رغبتها في الوصول الى تسوية تفرضها اللحظة السياسية الراهنة بكل معطياتها التي تجعل الحرب اكثر استحالة من »السلام« العتيد.
وهذه النتيجة تنسجم تمام الانسجام مع الاسباب التي »فرضت« هذه الجولة الجديدة من التفاوض الحربي،
فواشنطن لا تستطيع ادعاء النجاح اذا كانت المفاوضات متعثرة الى حد الجمود المطلق، خصوصù وان الجمود اذا ما طال فانه يهدد باسقاط ما كان جناه الاسرائيلي من جوائز السلام المجاني وبشروطه مع الفلسطيني ثم مع الاردني.
هناك حقق الاسرائيلي نجاحات مذهلة بغير جهد: لقد وقّعوا من دون أن يفاوضوا… وكان طبيعيù ان يُشرك الاميركي في النتائج ليكون الضمانة والصندوق او الجابي لحسابه.
وحكومة اسحق رابين لا تستطيع ادارة الظهر لشريكها الاميركي الذي تحتاجه هنا بالحاح، بينما لم يلزمها في انجاز اتفاقات الصلح المنفرد مع الفلسطينيين والاردنيين،
ثم ان رابين نفسه لا يستطيع ان يزاحم بطل الحرب الاسرائيلية المفتوحة، بنيامين نتنياهو، الا اذا هو قدم نفسه للاميركيين اولاً ثم للاسرائيليين بوصفه حصان السلام،
اما السوري فقد ذهب الى المفاوضات لان واشنطن هي التي طلبت وهي التي تعهدت، وهو لا يريد أن يفرّط بهذه التعهدات ولا يريد خاصة أن يعطي الاميركي ذريعة للتملص منها، والعودة مرة أخرى الى انحيازه المطلق والسافر للاسرائيلي.
أي أن السوري هو الوحيد الذي ذهب ليفاوض، بافتراض ان هذا السبيل هو الوحيد الذي قد يكون متاحù، في اللحظة السياسية الراهنة، لتحقيق مطلبه »القانوني« في تحقيق الانسحاب الاسرائيلي من ارضه »الوطنية« المحتلة،
بمعنى ما يمكن القول أن الاميركي يستطيع الادعاء بأنه حقق نجاحا: لقد دعاهما فلبيا الدعوة، وعلى المستوى العالي الذي طلبه، والمفاوضات ستستمر بدليل ان دنيس روس عائد الى المنطقة…
اما السوري فيمكنه القول بثقة انه لم يخسر، بل لعله قد اضاف الى رصيده نقطة اخرى لدى »الضامن« الأميركي، بمجرد تلبية الدعوة.
واما الاسرائيلي فميزان حسابه مزدوج: كلما زاد نفوذه على ادارة كلينتون اشتدت حاجتها الانتخابية اليه، وهذا يزيد من فرص فوزه في انتخاباته الاسرائيلية،
واذا كانت »المصافحة« لم تتم فهذه خسارة من فائض الربح، لأنه كان يطلقها كمحاولة ابتزاز مكشوف، او كمناورة لاحراج الخصم ليس الا،
والاسرائيلي يعرف تماما ان »المصافحة« ستكون صعبة جدا حتى بعد الاتفاق، وانها مستحيلة قبله، ولو انه اصر عليها لنسف المفاوضات، ومن هنا كان اضطراره الى الاعلان ان الجولة الجديدة لم تحقق تقدما يذكر، في حين كان قائد الطيران الحربي الاسرائيلي المتفوق يزغرد في احتفال لمناسبة عيد الطيران: ان طائراته الجبارة هي التي ستجعل العدو يتجه الى السلام!
… ومؤكد ان »حرب حلايب« التي أطلقت شرارتها محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، وقد اتهم بها النظام السوداني، لم تكن تعزيزا للمفاوض العربي (السوري)،
وبالمقابل فان المواعيد العرقوبية »لاعادة الانتشار الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة«، ومن ثم للانتخابات الفلسطينية، لم تكن لتعزز صدقية المحتل الاسرائيلي او لتؤكد جديته في طلب »السلام«

Exit mobile version