طلال سلمان

مع الشروق ## مجلس التعاون الخليجي يصادر الجامعة العربية: أين فلسطين في برامج حكم الإسلاميين؟

بعد عام كامل من الانتفاضات الشعبية التي خلخلت ركائز النظام العربي في العديد من أقطار المشرق والمغرب، فإن «الربيع العربي» لم يصل الى فلسطين! لقد تاه عنها أو أخذته ريح الشمال بعيداً عن قدس الأقداس في العمل السياسي العربي في حين أنهـا ـ بالمنطق كما بالمصلحة – يفترض أن تكون عنوانه وهدفه الأول.
وفي ما عدا تظاهرة الإعلان الرابع أو الخامس او العاشر عن الرغبة في إقامة «الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ـ يونيه – 1967» والتي وصلت الى أعتاب مجلس الأمن الدولي وانتهت بصورة تاريخية للرئيس الفلسطيني يسلم قرار «إعلان الدولة» الى الأمين العام للأمم المتحدة، فإن «القضية» تعاني من نقص فاضح في الاهتمام بها، عربياً ودولياً، وتتوارى الأخبار المتصلة بها – إن كان ثمة من أخبار- في الصفحات الداخلية للصحف العربية، او في ثنايا التعليقات والتحليلات المنهمرة سيولاً حول الربيع العربي وآفاق التغييرات الهائلة التي يبشر بها او يمهد لها.
ولقد وصل اليأس أو الملل بالرئيس الفلسطيني الى حد التنازل عن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدولة العربية لقطر، بشخص حمدها الثاني، حتى لا يحرج فيخرج او يجرح فيجهر بما لا يجوز أن يقال… وفي كل الحالات فإن «أبا مازن» قد ارتأى ان الوضع السوري المتفجر أولى بالاهتمام ـ عربياً- من القضية الفلسطينية التي أعيدت ـ مرة أخرى- الى أيدي الرباعية الدولية تحت الرعاية الاميركية، واستعاد العرش الأردني حق الرعاية فاستضاف لقاءات جديدة انتهت قبل ان تبدأ لأنها غير ذات موضوع.
وهكذا فإن مجلس الجامعة، الذي أغرقته الهموم السورية، لم يجد الوقت الكافي لسماع أي جديد حول «القضية المركزية العربية» إلا عبر مداخلة لأبي مازن، في الاجتماع الأخير للجامعة التي غادرت مقرها كما غادرت مسؤولياتها الى فندق فخم في القاهرة… وبالطبع فإن الرئيس الفلسطيني لم يكن يملك غير الشكوى من تخلي الأهل وتجاهل الأصدقاء وتعنت العدو ومضيه في قضم أراضي الضفة الغربية وتجاوزها الى وضع اليد على غور الأردن.
ما لم يقله أبو مازن، صراحة، انه في الفترة الفاصلة بين كل اجتماعين لمجلس الجامعة العربية «تصادر» سلطات العدو الإسرائيلي المزيد من الأراضي لإقامة المزيد من المستوطنات، والأخطر انها تضع يدها على بعض ما تبقى من أحياء عربية في القدس، فتطرد أهلها منها بذريعة أنهم «أغراب» او «طارئون» لا يحملون الجنسية الإسرائيلية مما يسقط حقهم بالتملك في العاصمة الأبدية لدولة يهود العالم.
لقد هودت القدس بالكامل، والمطروح ـ إسرائيليا الآن ـ مسألة التخلص من المحيط العربي للمسجد الأقصى… وهكذا تعمل الجرافات على مدار الساعة في «تطهير» المنطقة المحيطة بهذا المسجد بحيث يفقد هويته ويتحول الى «موقع سياحي» لا قيمة دينية له، ولا أهل يحمون قداسته، فيصبح من السهل تكليف مؤسسة دولية كاليونسكو برعايته والاهتمام بصيانته كمزار يدر دخلاً إضافياً محترماً في عائدات السياحة الإسرائيلية.
لكن تنازل فلسطين عن رئاسة الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية لم يكن عبثياً، فلقد كان لدى قطر، التي «اشترت» هذه الرئاسة، جدول اعمال محدداً شهدنا فصوله متوالية في مجلس الأمن الدولي: بداية عبر تفويض عربي لقوات حلف الاطلسي «بتحرير ليبيا» عبر إسقاط نظامها السابق بالقوة العسكرية، حتى ولو كان بين نتائجها إحراق الليبيين في أتون حرب أهلية.. ثم كانت الخطوة الثانية في تقديم النظام السوري للمحاكمة الدولية أمام مجلس الأمن، والسعي بكل الوسائل لتفويض المنظمة الدولية بتولي مهمة إسقاط هذا النظام وتحرير الشعب السوري من دكتاتوريته الدموية.
هكذا قدر على الرئاسة الفلسطينية ان تلعب ـ من حيث لم ترغب او لم تحتسب – دوراً تاريخياً في «تحرير» قطرين عربيين من نظاميهما القمعيين، بينما هي لا تستطيع تبديل مدير للشرطة في أية مدينة فلسطينية «محررة» إلا بإذن إسرائيلي مباشر يحمل تصديق اللجنة الرباعية والمباركة الاميركية.
على أن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه اللحظات:
اذا كان الربيع عربياً بالفعل، فأين فلسطين منه؟
ومع التقدير لانشغال كل انتفاضة عربية بهموم التغيير في بلادها، والغرق في التفاصيل المحلية، وفي صراعات القوى التي يفترض انها شاركت بدور في التغيير، فإن غياب القضية الفلسطينية عن هذه الانتفاضات يطرح الكثير من الأسئلة عن هوية قياداتها وعن توجهات هذه القيادات وعن طبيعة الغد العربي التي تصطنعه.
لم يسمع المواطنون العرب عموماً، والمواطن الفلسطيني خاصة، من قادة هذه الانتفاضات، لا سيما أولئك الذين تسلموا زمام السلطة في اقطارهم، ما يبشر بتغيير جذري في السياسات المعتمدة حيال القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الاسرائيلي . لقد صدر عن بعض قادة الانتفاضة في تونس تصريحات ومواقف متباينة، ثم جرى توضيحها او تصحيحها.
أما بالنسبة للإخوان والسلفيين في مصر فقد صدر عنهم قبل فوزهم بالأكثرية في مجلسي النواب والشورى ثم بعدها سلسلة من المواقف التي تقفز عن جوهر الصراع وتهرب الى «السياسة العملية»… ثم صدرت تصريحات أخرى متباينة بحيث بات صعباً على المتابع ان يعرف ـ بالدقة ـ أين يقف الإسلاميون، وقد غدوا في موقع القرار، من الصراع العربي- الإسرائيلي، وبالذات من كل ما يتصل بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه.
وإذا ما كانت مطالبة الإخوان المسلمين بإعلان تأييدهم المبدئي للشعار الأثير بتحرير فلسطين من النهر الى البحر، الذي تجاوزه الزمن وتجاوزته السياسات العربية، فلا اقل من ان يعرف الناس موقف هذا التنظيم السياسي ذي التاريخ العريق وذي الثقل الشعبي المعترف به من مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التطورات الدولية والانهيارات العربية والتشققات الفلسطينية التي سمحت لإسرائيل بإعلان ذاتها دولة يهود العالم وليبلط الفلسطينيون ومعهم سائر العرب وأصدقائهم في العالم البحر.
إن فلسطين قضية داخلية في أي بلد عربي، وهي تتجاوز السياسة الى الاجتماع، وتتجاوز الماضي والحاضر الى المستقبل… ومن حق أي مواطن عربي، مسلماً كان أم غير مسلم، ان يكون له رأيه في هذه القضية المقدسة التي قدمت لها الأمة العربية ـ ومن ضمنها شعب فلسطين- طوابير من الشهداء. وتفرض الوقائع الاعتراف للإخوان بأنهم كانوا بين طلائع القوى السياسية التي جندت المتطوعين وأوفدتهم للقتال دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين في أرضهم ومنعاً للوافدين الإسرائيليين من وراء البحار لاحتلال الأرض المقدسة وإقامة كيانهم الهجين فوقها.
لكن المطلوب الآن تحديد السياسات واعتمادها كخطة عمل في مواجهة التوسع الإسرائيلي الذي لا يتوقف والذي كاد يهود معظم الضفة ويسقط الهوية العربية (الإسلامية – المسيحية) عن القدس الشريف.
لقد آن ان يتحول الخطاب الجماهيري الى خطة سياسية للقوة الشعبية التي انتقلت من الشارع الى سرايا الحكم.
وبغض النظر عما قيل ويقال عن «شطارة» الإخوان في سرقة الانتفاضة التي لم يكونوا في أساس انطلاقها ولا كانوا جمهورها الأعظم في ميادين العواصم والمدن التي هبت لإسقاط أنظمة الطغيان، فإن الناس يتوقعون الآن من هؤلاء الذين تقدموا الصفوف ليحكموا باسم الانتفاضة ان يحولوا شعارات الميدان وهتافاته التي تعبر عن وجدان الناس الى سياسة رسمية معتمدة.
ففلسطين، بداية وانتهاءً، قضية داخلية في أي بلد عربي.
إن الموقف من إسرائيل يكاد يلخص أهداف النضال الشعبي في أي قطر عربي: انه يحدد السياسات جميعاً، داخلياً وخارجياً… فالعدل لا يقبل القسمة، والكرامة الوطنية لا تتجزأ، والأرض مقدسة لأنها تحتوي التاريخ ونضال الآباء والأجداد، الذين حفظوا لها هويتها، والدين من ضمنها.
ولقد يقول قائل: لا تتعجلوا على الانتفاضات التي تصير سلطات.. امنحوها بعض الوقت لكي تستكمل سيطرتها وتهيئ برنامجها للحكم، وسط المصاعب الهائلة التي تواجهها، والتركة الثقيلة التي خلفها نظام الطغيان، ثم الضغوط الشديدة التي تمارسها عليها قوى الهيمنة العالمية ـ الاميركية اساساً، والتي قد تتساهل في شؤون الداخل ولكنها لا يمكن ان تتساهل في ضمان امن إسرائيل حاضراً ومستقبلاً.
لكن الزمن لا يتوقف، والانهيارات المتوالية التي تشهدها القضية الفلسطينية تكاد تذهب بقداستها وبجمهورها الذي وفر لها الحماية على امتداد دهر النضال.
وها ان الجامعة العربية قد تنازلت عن دورها لأهل الذهب الأسود في مجلس التعاون الخليجي الذي يعظم قادته «الخطر الإيراني» لكي يقللوا من شأن الخطر الإسرائيلي الداهم والذي يصادر الأرض ويطرد الشعب ويسقط حق العرب (مسلمين ومسيحيين) في القدس بقوة الأمر الواقع.
والأمل ان يثبت «الإسلاميون»، إخوانا وسلفيين، أنهم أعظم كفاءة واصراراً على الجهاد من «العروبيين» و«القوميين» الذين يحاسبون على أنظمة حملت شعاراتهم ثم رمتهم في السجون والمعتقلات او في مستودعات الوظيفة الحكومية، حتى جاء «الربيع العربي» وهم غائبون.

تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

Exit mobile version