طلال سلمان

مع الشروق ## لاءات نتنياهو تلغي «نعم» أوباما «دولة اليهود التاريخية» تستضيف «دولة فلسطين» كلاجئ سياسي!([)

كما جلس «العرب»، في الرابع من حزيران ـ يونيه الماضي، يتابعون مبهورين بسحر الرئيس الأميركي الأسمر باراك أوباما خطابه البليغ المطعم بالآيات القرآنية، كذلك جلسوا وقد حبسوا أنفاسهم يوم الأحد الماضي وهم يتجرعون الخيبة عبر خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي نافق حليفه الخطير فرحب ببعض طروحاته شكلاً قبل أن يرفض مضمونها منهجياً وبالمطلق!
في الحالين كان «العرب» في دور المتفرج، المتلقي، منكور عليهم دور الطرف، فالتفاوض ـ عبر الهواء ـ بين أصحاب القرار فحسب، أما التعليقات بالتأييد أو بالاعتراض فتذهب مع الريح: عندما يتحدث الكبار يكون على الصغار أن يسمعوا فيطيعوا!
كلاهما اختار جامعة محددة المكان والدور لإعلان بلاغه للناس:
أوباما ارتأى أن تكون جامعة القاهرة العريقة حيث لا مجال للالتباس في «طهارتها» السياسية!
أما نتنياهو فقد اختار معهد بيغن ـ السادات في جامعة بار ايلان للمتدينين بكل الدلالات المكثفة لهذا الاختيار سياسياً، وهي أوضح من أن تحتاج الى تبيان، يستوي في ذلك «الصلح المنفرد» بالشروط الإسرائيلية أو طبيعة هذه الجامعة كمعمل تفريخ للأشد تطرفاً وتمسكاً بالاستيطان منهجاً لاستبدال سكان البلاد الأصليين بطوابير المستعمرين، وقد كان زعماؤهم في الصفوف الأولى يصفقون بحماسة ثم يهتفون بإعجاب شديد لكل كلمة في الخطاب الذي استشير فيه الأعظم تطرفاً في «دولة اليهود التاريخية».
لقد أفسد هذا المتجبر اللعين نتنياهو على العرب نشوتهم… فلقد أمضوا الأيام العشرة الماضية وكأنهم سكارى، وما هم بسكارى، بالقصيدة العصماء التي ألقاها فيهم باراك أوباما مجاملاً ماضيهم، منافقاً إسلامهم، ولا بأس أن يكون قد قفز من فوق قضاياهم الحقيقية ومطالبهم المعتقة، فذلك أمر يمكن استدراكه…
صحيح أن أوباما قد مر على الاحتلال الأميركي للعراق بشكل عابر، فلم يعتذر عنه، كما برر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بالمحرقة النازية لليهود في ألمانيا،
وصحيح أن نتنياهو قد نافق باراك أوباما فلفظ تعبير «دولة فلسطين» ثم كرس الخطاب جميعاً لإلغاء معنى «الدولة» تماماً واستبقاء الفلسطينيين رهائن في مساحة من الأرض غير محددة ومعرضة للذوبان يومياً، بأفضال المستعمرين، مياهها ليست لها وأجواؤها لإسرائيل، وكذلك الأمن… أما القدس فخارج أي نقاش بوصفها العاصمة التاريخية والأبدية للشعب اليهودي، بغربها وشرقها وشمالها والجنوب والمقدسات جميعاً.
لكن الصحيح أيضا أن أياً من باراك أوباما وبنيامين نتنياهو لم يتوجه الى العرب، بل كان كل منهما يحاور الآخر، وربما يفاوضه من فوق رؤوس العرب، ودونما حاجة الى التوقف أمام رأيهم بل آرائهم!
لقد تحدث باراك أوباما بلغة رئيس الدولة العظمى.
ورد بنيامين نتنياهو وكأنه رئيس ذلك الرئيس، وصاحب القرار، تاركاً للمستوطنين أن يصوروا باراك أوباما بالكوفية والعقال، تمهيداً لاتهامه باللاسامية، ان هو مضى قدما في محاباة الفلسطينيين على حساب ضحايا «المحرقة» وحقهم في أرضهم التاريخية!
لم يراع بنيامين نتنياهو شركاءه «العرب» في معاهدات الصلح المنفرد، واثقاً من أن أي مسؤول عربي لن يرفع صوته باعتراض جدي، فمع التوقيع على تلك المعاهدات وبالشروط المعروفة، أسقط هؤلاء حقهم بالاعتراض ثم انه أسقط خريطة الطريق والرباعية معها، وكل مسلسلات التفاوض الى الأبد مع السلطة الفلسطينية، مباشرة أو عبر المؤتمرات الدولية (أنابوليس) أو اللقاءات المباشرة أو التعهدات العلنية.
كذلك فإنه أسقط أي احتمال لتوطين الفلسطينيين الذين سبق أن طردوا من وطنهم التاريخي داخل حدود إسرائيل، وبهذا فإنه أسقط حق العودة بالضربة القاضية، مثيراً زوابع من الهلع في لبنان على وجه الخصوص الذي تحكمه توازنات ديموغرافية ـ طائفية شديدة الحساسية والهشاشة.
وجدد رفضه وقف توسيع المستوطنات، وإن كان «تشاطر» في صيغة الرفض ليلتبس الأمر على سامعه فيرى في كلامه قبولاً للمطلب الأميركي… بل إنه غمر صدور المستوطنين بالأوسمة فوصفهم بأنهم «ليسوا أعداء الشعب، بل إنهم يقومون بعمل رائد وصهيوني».
أما في ما يخص العرب (من غير الفلسطينيين) فإن بنيامين نتنياهو أظهر أنه لم يسمع بمبادرة السلام العربية المطروحة فوق الطاولة منذ سبع سنوات وثلاثة شهور، والتي لوح منشئها في قمة الكويت العربية في نهاية آذار ـ مارس الماضي بأنها لن تبقى على الطاولة الى الأبد.
فأما الرئيس الأميركي باراك أوباما فقد رد على خطاب نتنياهو فوراً مسجلاً بل منوهاً بذكره تعبير «الدولة الفلسطينية»، متجاهلاً أن الشروط التي وضعت لاستيلادها ستجعل مستحيلاً عليها أن ترى النور.
وأما القادة العرب الذين اشتهر عنهم عمق التفكير قبل إطلاق المواقف، فقد لزموا الصمت… ولعل بعضهم يفكر الآن، وبعد أن سمعوا رد أوباما، على قبول دعوة نتنياهو للتلاقي «من أجل النهوض بالسلام في المنطقة».. ومن علق منهم فقد اكتفى بالقول إن مقترحات نتنياهو ليس من شأنها أن تحقق السلام!
ولعل بعضهم قد استذكر رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ارييل شارون الغائب عن الوعي منذ دهر والذي كان قد لفظ كلمة «الدولة الفلسطينية» ثم عمل بشراسة لنسف احتمال قيامها بمصادرة الأرض وتهجير أهلها وتوطين المستعمرين المسلحين حتى أسنانهم.
ثم ان القادة العرب كانوا منهمكين بمتابعة الانتخابات النيابية في لبنان بقانون الستين، وقد أسعدتهم نتائجها الباهرة التي تشكل فتحاً في تاريخ الديموقراطية الطوائفية، والتي رأوا فيها انتصاراً على «محور الشر»، فمن ذا الذي يريد أن يفسد عليهم فرحتهم بهذا النصر المؤزر… وماذا يهم أن نخسر فلسطين ما دمنا قد ربحنا الديموقراطية الطوائفية في لبنان الذي يعيش على حافة الحرب الأهلية؟!
ولقد كان لافتاً أن يركز الإعلام العربي الرسمي، بأغلبيته، على حكايات التزوير في الانتخابات الرئاسية في إيران، والذهاب في دعم مير حسين موسوي الى أبعد مما يريد الرجل الذي لم يخرج على نظامه، بل إنه «خذل» مناصريه العرب وذهب بشكواه الى القائد علي خامنئي، مرشد الثورة الإسلامية في إيران، توكيداً لالتزامه موجبات حماية النظام والدولة.. فكان التأييد المبالغ به لهذا المرشح على طريقة نجدة الدب لصاحبه … وبالتالي فقد حاول هذا الإعلام العربي الرسمي أن يخفف من الاهتمام بخطاب نتنياهو رداً على الرئيس الأميركي، بأن يظهره وكأنه أمر عارض لا يستحق التعليق.
بالمقابل فإن القيادات الفلسطينية، داخل السلطة وخارجها، من اتهم بالتفريط حتى قارب الخيانة، ومن قال بالكفاح المسلح حتى قارب الانتحار انفصالاً، قد أجمعت على رفض منطق نتنياهو… واعتبر أنصار التفاوض للتفاوض، ومن حفيت أقدامهم بحثاً عن خريطة للطريق، ان رئيس حكومة التطرف الإسرائيلي قد أوقفهم على منصة الإعدام متهمين بخيانة شعبهم حتى وهم يطالبون بالحد الأدنى من الأدنى من حقوقه.
ويبقى السؤال عن موقف رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) الذي كان قد حظي قبل أيام باستقبال ودي في البيت الأبيض تبلغ خلاله من الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصياً قبوله بمبدأ الدولتين… متجاوزاً نفاقه إسرائيل بتقديم «المحرقة» وكأنها بداية التاريخ، ليبرر بها اجتياح فلسطين وطرد أهلها منها لكي يقيم اليهود فيها دولتهم، وكأن الفلسطينيين هم الذين نظموا المحرقة وتسببوا في تشريد يهود أوروبا.
لسوف يجد القادة العرب ما يقولونه تعليقاً على خطاب نتنياهو. سيؤكدون لأنفسهم قبل رعاياهم أن باراك أوباما لا يكذب، وأنه قوي بما فيه الكفاية ليفرض رأيه على التطرف الإسرائيلي، وسينصرفون لمتابعة نشاطهم في مكافحة التطرف العربي الذي يشكل رأس جسر لمحور الشر الإيراني.
وفي نهاية المطاف فإن كل ما فعله نتنياهو انه قد «قلب السلحفاة على ظهرها»، على حد تعبير المفكر العربي عزمي بشارة.
والسلحفاة هنا قد تكون مبادرة السلام العربية، وقد تكون خريطة الطريق وقد تكون الوعود الأميركية، وقد تكون كل ذلك معاً!
والمهم أن خلاصة خطاب بنيامين نتنياهو تعني ببساطة:
ان دولة اليهود التاريخية تستضيف «دولة فلسطين» كلاجئ سياسي، بشرط أن يتخلى عن اسمه وهويته وحقوقه وأن يزور مركز الأمن كل صباح لإثبات التزامه قوانين اللجوء!
[ ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

Exit mobile version