طلال سلمان

مع الشروق عن الحلف الثلاثي الجديد بين واشنطن والنظام العربي وإسرائيل

أعلنت الإدارة الأميركية وباللغات الحية جميعاً، أنها ولي الأمر والمرجعية الشرعية لمختلف الشؤون في منطقة الشرق الأوسط التي كانت ذات يوم عربية، والتي تنزع دولها تدريجياً هويتها العربية، فلا تبقى للمنطقة إلا هوية الدولة الطارئة عليها والتي غدت الآن في موقع صاحب القرار: إسرائيل دولة يهود العالم.
وها هم المسؤولون الأميركيون، سياسيين وعسكريين، يجوبون المنطقة من أدناها الى أقصاها، يحذرون العرب عموماً من الخطر الإيراني، ثم يلتفتون لتنبيه كل دولة عربية من خطر الدولة الأخرى ـ الشقيقة والجارة وشريكة المصير ـ عليها، مع تأكيد الاستعداد لحماية الجميع من أهوال الدمار الآتي مع «النووي الإيراني» وبالتدخل العسكري المباشر، إذا لزم الأمر، لا فرق بين أن تتولاه الأساطيل البحرية والجوية الأميركية أو يتولاه الجيش الإسرائيلي بسيفه الطويل.
وعلينا الاعتراف بأن هذه الحملة قد نجحت في التمكين لاختراق إسرائيلي خطير لما كان يسمى «الصف العربي»، فصار ذلك الصف أشتاتاً تفتقد دوله الأمان، ولا ترى حرجاً في أن تطلب النجدة من إسرائيل، تحت المظلة الأميركية ودائماً بذريعة: عدو عدوي صديقي!
لقد جاء الى المنطقة العربية، مؤخراً، أخطر المسؤولين الأميركيين، باستثناء الرئيس الأسمر باراك أوباما، وازدحمت جداول أعمال أهل النظام العربي بالمواعيد ذات الأهمية الاستثنائية:
جاء نائب الرئيس جوزف بايدن الى العراق تحت الاحتلال الأميركي في محاولة لمصالحة «الحلفاء» من أهل الحكم في بغداد… وأقسم أيمانا مغلظة بأن إدارته لم ترد ولا هي تريد الآن إعادة الاعتبار الى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم باسمه ـ ومن دونه ـ صدام حسين أرض الرافدين لمدة خمس وثلاثين سنة متصلة، حفلت بمسلسل من الحروب التي ذهبت بأكثر من مليون عراقي فضلاً عن ملايين الجرحى والمشردين.
وبرغم أن الوقائع تثبت أن أخطر هذه الحروب (التي أعطاها صدام حسين لقباً له رنينه العربي ـ الإسلامي: القادسية) قد تمت بقرار أميركي وبتمويل من أهل النفط العرب الذين لا يرفضون لواشنطن طلباً، وان حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان صدام قد حوّله الى مجرد لافتة، لم يكن له أي دور جدي في قرار الحرب، فإن أول حاكم للعراق تحت الاحتلال الأميركي قد اتخذ قراره بشطب هذا الحزب ومطاردة أعضائه الذين يزيدون عن مليون عراقي وعراقية، وتحت لافتة غاية في الرقة: اجتثاث البعث!
وكان ذلك القرار الخبيث إشعالا لنار الفتنة بين السنة والشيعة في العراق، من خلال الإيحاء وكأنه عقوبة لأهل «النظام السني» الذي أسقطته الدبابات الأميركية لكي تنافق الشيعة فتسلمهم الحكم في عراق الاحتلال بما يستنفر أهل السنة ويستفزهم ضد إخوتهم وأصهارهم وأنسبائهم وأبناء عشائرهم من الشيعة الذين سيظهرون متواطئين عليهم مع الاحتلال من أجل الاستيلاء على السلطة و«طرد» السنة منها.
الطريف أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد تلاقى مع هذا الطرح الأميركي المغرض، حين أعلن في خطابه لمناسبة العيد الحادي والثلاثين للثورة الإسلامية في إيران، ان بلاده لا تقبل أن يعود حكم البعث الى حكم العراق، محاولاً الإيحاء بأن إيران تدافع عن «حق» الشيعة في أن يحكموا ـ أخيرا ـ العراق بعد أن كانوا ـ وهم الأكثرية الشعبية ـ في موقع الرعية لحكم سني.
هل من الضروري التذكير بأن كل دكتاتور وأي دكتاتور لا دين له ولا طائفة، وأن الانفراد بالسلطة هو مطلبه، بغض النظر عن الشعارات التي يموه بها سعيه الى التفرد.
في أي حال فإن هذا التلاقي بالمصالح، ولو محدوداً ومحدداً بالعراق، بين الإدارة الأميركية وإيران الثورة الإسلامية، ليس أكثر من تفصيل في لوحة «الحرب الشاملة» التي تشنها هذه الإدارة على إيران تحت عنوان «المشروع النووي الإيراني» والتي تحشد لها التأييد السياسي العربي بالدرجة الأولى، ثم الدولي عموماً.
وها هي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تأتي متعجلة لتطمئن الى أن صفقات السلاح الأميركي، وهي بعشرات المليارات، قد أبرمت فعلاً، بوصفها بعض الاستعدادات الضرورية لجبه الخطر الإيراني، على نفقة الخائفين أو المخوفين العرب.
لا بد من رفع مستوى الموفدين الى المنطقة، والى الخليج الذهبي تحديداً، لكي يستشعر هؤلاء الخائفين على ثرواتهم بالخطر فيدفعوا ما يفترض أن يكون كلفة الحرب المقبلة، والتي سيذهب بعضها الى إسرائيل بوصفها شريكاً ضرورياً للأميركيين (ولعرب النفط) في صد الخطر النووي الإيراني، بغض النظر عن حقيقة أن إسرائيل تملك مفاعلاً نووياً منذ حوالى الأربعين عاماً، وتملك مئتي رأس نووي، حسب التقديرات الدولية المتداولة.
إن تعظيم الخطر الإيراني ضرورة لطمس الخطر الإسرائيلي على فلسطين العربية، أرضا مهددة بالتذويب نتيجة المستوطنات التي تستولدها الحكومة الإسرائيلية على مدار الساعة، مدعية أن المستوطنين باتوا «قوة ضغط وازنة»، وانه لم يعد بمقدور أحد مواجهتهم أو وقف أنشطتهم الاستيطانية، خصوصاً أن عديدهم بات يناهز المليونين، وأنهم بالتالي أقوى قوة ناخبة في إسرائيل، ومن دون تأييدهم لا مجال لأن تستقر أية حكومة في دست الحكم.
ولان أهل النظام العربي في الجزيرة والخليج باتوا يعتبرون أن لهم «فلسطينهم» ممثلة بالجزر العربية الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، التي «اشترتها» إيران فغدت «ملكاً خالصاً لها»، فمن البديهي أن يهتموا بمواجهة هذا الخطر الإيراني الأشد هولاً من الخطر الإسرائيلي… بل ورب ضارة نافعة: فهم قد يفيدون من قوة إسرائيل وطول ذراعها العسكري لمواجهة «الخطر الفارسي»… فإذا ما صارت في موقع «حليف الضرورة» أمكن إقناعها بشيء من التنازل لحماية «السلطة» القائمة في بعض الأرض من الضفة الغربية في فلسطين، لا سيما أن تحالفاً آخر غير معلن يجمع الطرفين في مواجهة حماس وحكمها الإسلامي في غزة… وهكذا فإن «القضية المقدسة» فلسطين ستفيد من تحالف الضرورة مع الشيطان الإسرائيلي الصديق، تحت الرعاية المؤكدة للحليف الأكبر ممثلاً بالإدارة الأميركية.
إن السيدة كلينتون تجيء في أعقاب جولات قام بها كبار القادة العسكريين الأميركيين وشملت العديد من الدول العربية المعنية تحت عنوان «التنبه الى الخطر الإيراني المتعاظم» بعد إعلان الرئيس الإيراني نجاد عن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في مفاعل ناتنز الى عشرين في المئة.
ولقد استقبل ملوك ورؤساء وأمراء عرب القادة العسكريين الأميركيين بالترحاب، مؤكدين التزامهم بموجبات التحالف وترحيبهم بالقواعد العسكرية، جوية وبحرية، التي يرى القادة الأميركيون ضرورة لها، فهم «شركاء مصير»، وهم مستعدون لغض النظر عن مشاركة ـ قد تكون ضرورية ـ لبعض أفرع الأسلحة الإسرائيلية في الهجوم المحتمل، متى دقت ساعته.
بالمقابل فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد طار الى موسكو، واثقاً من قدرته على إقناعها بالامتناع عن تزويد إيران بالتجهيزات العسكرية التي تحتاجها، لا سيما في مجال الصواريخ المضادة للطائرات، وان ظل هدفه الحقيقي الضغط على القيادة الروسية لوقف تصدير السلاح المتطور الى سوريا، بذريعة أن دمشق ستؤمن وصول الصواريخ المضادة للطائرات الى «حزب الله» في لبنان، مما يؤثر على حرية الحركة التي يتمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي، والتي كلفت اللبنانيين في الحرب الإسرائيلية عليهم في تموز ـ يوليو 2006 آلاف الشهداء والجرحى وتدمير مئات المدن والبلدات والقرى في جنوب لبنان كما في البقاع إضافة الى الضواحي الجنوبية للعاصمة بيروت.
[[[[[[
لم تعد الإدارة الأميركية تحاول التخفيف من صورتها كوصية على العالمين العربي والإسلامي… وها هي هيلاري كلينتون تجيء كموجه سياسي للمؤتمر الذي عقد بناء على الطلب في العاصمة القطرية، الدوحة، للبحث في مستقبل العلاقة بين واشنطن والمسلمين!
إن الإدارة الأميركية هي المرجعية، السياسية والعسكرية والأمنية، لأهل النظام العربي ولشركائهم من حكام العديد من الدول الإسلامية.
إن الرئيس الأميركي ذا الجذور الإسلامية (والأفريقية) لم يستشعر أي حرج وهو يعلن زيادة قواته العسكرية، وأن يفرض على حلفائه الغربيين زيادة قواتهم هم أيضا، من أجل خوض حرب الأرض المحروقة في أفغانستان، التي باشروها ـ بالفعل ـ قبل أيام، فدمروا القرى الفقيرة وقتلوا المواطنين البؤساء بالجملة، لا فرق بين النساء والأطفال والشيوخ العاجزين على الهرب… ولا مهرب!
كذلك فإن هذا الرئيس الأميركي ذا الجذور الإسلامية قد تراجع مهرولاً عن كل مقترحاته حول حق الشعب الفلسطيني في دولة له فوق بعض البعض من أرضه، ولحس كل تعهداته حول وقف الاستيطان ومنع بناء مستوطنات جديدة على ما كان مخصصاً ـ ذات يوم ـ «للسلطة» التي لا سلطة لها في الضفة الغربية… ولن نستذكر غزة وحصار الموت المضروب حول المليون ونصف مليون فلسطيني فيها بالأطفال والنساء والشيوخ، براً وبحراً وجواً، وبمحاولة تدمير آخر الطرق لإيصال المواد الغذائية والاحتياجات البسيطة لأهلها، عبر الأنفاق، حتى لا ننكأ جراحاً لما يتوقف نزفها.
مع ذلك، وبرغم ذلك فإن العديد من أهل النظام العربي يستعدون لان يتجندوا في خدمة مشروع الهيمنة الأميركية على مجمل المنطقة العربية، كما على مجمل العالم الإسلامي، وان بعنوان إيران، وقد أسقطوا من ذاكرتهم فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي والعراق تحت الاحتلال الأميركي، واندفعوا يساعدون واشنطن ـ ومعهما دائماً إسرائيل ـ على مد ظلال هيمنتها على مجمل العالمين العربي والإسلامي.
وآخر المحميات الأميركية في الأرض العربية ستكون اليمن الذي يكاد يستدعي أهل الحكم فيها القوات الأميركية بذريعة محاربة «القاعدة»، في حين أن مشكلة النظام هي مع الشعب اليمني، وحلها في الوحدة الوطنية اليمنية وليس بالاستنجاد بالقوات الأجنبية، أو حتى العربية، لتمكين النظام من القضاء على معارضيه الذي يعضهم الفقر بأنيابه، في حين تكاد تعصف الرياح بهذه الجمهورية التي بنيت بدماء الشهداء من أهلها، كما من القوات المسلحة المصرية، يوم كانت مصر عاصمة القرار العربي، والحاجز المانع للتدخل الأجنبي عموماً، وللهيمنة الإسرائيلية على مقدرات المنطقة كلها، وخاصة لعبور غواصاتها ومدمراتها قناة السويس لتكون جزءاً من الأساطيل الأميركية التي تحشد من حول إيران بذريعة نصرة السنة على الشيعة، والتمكين للدين الحنيف في الأرض التي انطلق منها.
وبديهي، كما علمنا التاريخ، أن العروبة هي سيف الإسلام ودرعه… وليست الإدارة الأميركية ولا إسرائيل، بأي حال.

([) تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

Exit mobile version