يصادف نشر هذه الكلمات مع الذكرى الثانية عشرة للحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 التي كانت أخطر إنجاز للإرهاب الدولي الذي ارتكبه ـ مع عميق الأسف – مجموعة من الشبان العرب الذين نظمتهم ودربتهم «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن، فقاموا بتفجير برجي نيويورك متسببين بكارثة إنسانية في اميركا، ومن ثم بمسلسل من الكوارث الذي أصاب ـ وما يزال يصيب – الأمة العربية بدولها ومواطنيها جميعاً.
… ويصادف، أيضاً، الموعد المفترض لمناقشة «الضربة الاميركية» لسوريا داخل مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة الاميركية، وتحديد مداها وقدرتها على التدمير، إذا ما تقرر تنفيذها بعد مداولات مطولة تعدت الحدود الاميركية إلى مختلف دول العالم فاضطرتها إلى تحديد مواقفها بتأييد هذه «الحرب المحدودة» أو رفضها.
ومن أسف أنه في حين اتخذت معظم دول أوروبا وأميركا اللاتينية، فضلاً عن الدول الآسيوية، موقفاً معارضاً لهذا التصرف الاميركي الحربي، إذ أن المخابرات الاميركية هي من «فحص الأدلة» وأثبت تهمة استخدام الكيماوي من طرف النظام السوري وقرر- وبالتالي- شن الحرب على سوريا ولو عبر «ضربة» تأديبية تذهب بقدراته القتالية وبعض مؤسساته، وفي الطليعة القوات المسلحة بمختلف أسلحتها ومراكز قياداتها، فإن عدداً من الدول العربية، تتصدرها السعودية وبعض أقطار الخليج، قد تعهدت بتغطية تكاليف هذه «الحرب»، وانطلقت تروج لها وكأنها «تنفيذ لإرادة عربية» بسلاح الإدارة الاميركية.
وليس من غير دلالة أن يكون الرئيس الاميركي الأسمر ببعض جذوره الإسلامية، باراك اوباما، هو صاحب القرار بالضربة التي ثبت أن أكثرية وازنة في مجلس النواب، فضلاً عن أكثرية عارمة من الشعب الاميركي تعارضها بقوة.
كذلك فليس من غير دلالة أن تكون بعض الدول العربية، وبالتحديد السعودية وقطر، هي في طليعة المحرضين على هذه «الضربة» بعدما عجزت عن «إنجازها» التنظيمات المسلحة متعددة الشعار والولاء، والأقوى بينها والأكثر دموية «مستورد» من خارج سوريا، بل ومن خارج الوطن العربي جميعاً.
هل من الضروري الإشارة إلى أن الدولتين العربيتين اللتين تتصدران الدعوة للحرب على سوريا كانتا الأكثر دعماً والأوثق علاقة مع أهل النظام السوري، حتى ما بعد انفجار الشارع في بعض المدن السورية والأرياف بالاعتراض الذي سرعان ما اتخذ ـ مع سوء ادارة النظام وبطشه وتجبره – شكل المقاومة المسلحة معتمداً مختلف أنواع العمليات القتالية، بما في ذلك نسف المؤسسات العسكرية والمدنية بالسيارات المفخخة، أو بالصواريخ بعيدة المدى، متنافساً في ذلك مع النظام في القدرة على التدمير والقتل الجماعي في مختلف أنحاء هذه الدولة العربية المحورية.
وكائناً ما كان الرأي في طبيعة النظام السوري القمعية ومدى تورطه في تحويل الاعتراض على بعض إجراءاته إلى معركة مدمرة كان بين نتائجها التسبب في تخريب منهجي وتعطيل لمقومات الدولة في سوريا، إلا أن «الحرب الأميركية» على سوريا لا يمكن أن تكون مقبولة أو مبررة.. فليست الإدارة الاميركية هي ولي أمر الشعب السوري وسائر شعوب الأرض، ولا هي حارسة الديموقراطية في العالم وجيوشها ما زالت تقاتل خارج حدودها، وأخطرها الطائرات من دون طيار التي تطارد معارضي السياسة الاميركية في أربع رياح الارض.
وتتصرف الإدارة الاميركية وكأنها تنفذ هذه «الضربة» بتفويض عربي وبذريعة تأمين مسيرة الديموقراطية في الوطن العربي، فتصور أجراءها المدمر وكأنها «حرب عربية» بالسلاح الاميركي، على سوريا دولة وشعباً.
ولا يمكن التمويه أو المخادعة، فشعار الجامعة العربية كان يظلل وزير الخارجية الاميركي ومعه الوزير القطري وهو يتلو مذكرة اتهام النظام السوري التي تبرر الحكم بإعدامه… كذلك فإن مسؤولين أمنيين سعوديين هم الذين يشرفون على تدريب طوابير المقاتلين، من الموالين للمعارضة التي وجدت «الحاضنة العربية» التي تمول والموجه الذي يرسم خرائط الهجوم والدفاع، وينسق بين الدول المستعدة للعمل على إسقاط النظام السوري بإيواء طوابير المقاتلين الآتين من أربع رياح الأرض، وتدريبهم وتسليحهم ورسم الخرائط لميدان حركتهم.
وإذا ما عدنا إلى محاضر اجتماعات مجلس الجامعة وإلى تصريحات بعض كبار المسؤولين فيها، فضلاً عن وزراء دول الهجوم، لأمكن التأكيد أنها «حرب عربية» قبل أن تكون اميركية، حتى لو تم تنفيذها بضربات جوية اميركية تدمر قدرات سوريا العسكرية ومؤسسات الإنتاج فيها.
هل من المبالغة القول إن هذه الحرب الاميركية القيادة بالتمويل العربي تتجاوز الدولة العربية سوريا لتصيب العرب جميعاً بالشعوب والدول؟
وهل يمكن تجاوز المقارنة مع الحرب الاميركية على عراق صدام حسين، التي لم تتبق بعدها دولة في العراق الذي تمزقت وحدة شعبه ونهبت موارده وتعاظمت فيه مخاطر الحروب الطائفية والمذهبية والعنصرية، فبات ينزف على مدار الساعة ودون أفق لحل أو تسوية في المدى المنظور؟
وهل يتجاوز «الواقع» من يرى في هذه الحرب الاميركية إرهاباً لثورة مصر بأهداف التغيير الجذري وإعادة بناء الدولة بقدرات شعبها وبما يحقق طموحاته إلى المنعة والتقدم في ظل إرادة حرة؟
… ومن يرى في هذه الحرب إرهاباً لثورة تونس التي حرفها «الإخوان» المسلمون عن مسارها، والتي ما يزال شعب تونس في الشارع من اجل استنقاذ ثورته وإعادة بناء دولته بما يحقق طموحه إلى الحرية والديموقراطية والخبز مع الكرامة، وهو الذي يسافر في زوارق التهريب إلى الغرب الذي يجدد إذلاله فيرتضي من اجل أن يعيش أبناؤه ولو كعمال سخرة في خدمة مستعمرهم القديم؟
لقد ميزت مصر الجديدة، بفعل الثورة موقفها عن سائر «الإخوة ـ الأعداء» الساعين إلى تدمير قدرات سوريا بالضربة الاميركية… وأعادت بعض العلاقة مع سوريا، لا سيما المؤسسة العسكرية والأمنية فيها، ورفضت الانضمام إلى جبهة المقاتلين لإسقاط نظامها، وإن كانت مع الداعين لوقف المذبحة بحل سياسي.
ومن غير المعقول أو المقبول أن ترتفع أصوات أكثرية الشعب الاميركي ضد الحرب على سوريا، وأن يواجه الرئيس الاميركي محنة اتخاذ قرار مخالف للوعد والتعهدات التي قدمها خلال حملته الانتخابية والتي أعاد التزامه بها بعد انتخابه فنال عليها جائزة نوبل للسلام، في حين يندفع بعض القادة العرب محرضين ومزينين له هذه الخطيئة مع التعهد بتغطية تكاليفها بالغة ما بلغت… فالذهب الأسود جاهز ومعه الذهب الأبيض.
كذلك ليس من المعقول أن تكون روسيا وإيران أكثر حرصاً من العرب، ومن مصر على وجه التحديد، على وحدة سوريا بشعبها ودولتها وهويتها العربية.
إن العرب يتابعون بقلوبهم تقدم مصر على طريق أهداف ثورتها، ليس فقط بدافع الحب والتقدير لشعبها وأصالته، وإنما كذلك لأنهم يحتاجون إليها، وهي الدولة الكبرى التي طالما رعت مسيرة التحرر في الوطن العربي جميعاً، والتي تقدر بنفوذها المعنوي على ترشيد النظام في سوريا ومساعدته على الخروج من مأزقه الدموي عبر إقدامه على التخلي عن المكابرة وتلبية مطالب الشعب، وهي حقوقه الطبيعية، بما يوقف الحرب الأهلية… مع التأكيد على رفض «الضربة» الاميركية والعمل لمنعها حتى لا تكون سوريا ضحيتها العظمى.
وفي تقدير أوساط عربية واسعة، أن مصر وحدها، من دون سائر الدول العربية، وبالتعاون مع بعضها الذي لم يتورط في النفخ في نار الحرب الأهلية داخل سوريا، تستطيع أن تلعب دوراً مؤثراً في وقف أو منع «الضربة» الاميركية، وبالمقابل تستطيع أن تسهم في إنقاذ النظام السوري من بعض أخطائه وخطاياه، خصوصاً أنها صاحبة تأثير على فصائل من «المعارضة المدنية» السورية… وبالتالي فهي قد تتمكن من فتح الباب لمشروع مصالحة وطنية في سوريا، تستنقذ وحدة هذه الدولة العربية المؤثرة، وتوقف نهر الدم فيها، وهو الذي يستخدم لتبرير التدخل الأجنبي، بأشكاله كافة وآخرها: الضربة العسكرية التي لا يمكن اعتبارها إلا حرباً على العرب وثورتهم العتيدة من اجل أنظمة ديموقراطية حقاً.
ومع التقدير للظروف الصعبة التي تعيشها مصر، في ظل التآمر على ثورتها وقدرتها على تحقيق مطالب شعبها، فإن قدر مصر أن تعلب دور القيادة في أمتها.
وأول موجبات هذا الدور أن تضع مصر ثقلها لمنع هذه «الضربة» الاميركية التي قد تفتح أبواب جهنم على المنطقة العربية جميعاً.
تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية