طلال سلمان

مع الشروق القاهـرة كعاصمـة للحـوار مـن أجـل الحـوار.. ونظرة على ما يتهدد فلسطين والسودان والعراق ولبنان و…

تحتشد في القاهرة، هذه الأيام، وفود المصالحات المستحيلة بين أبناء الشعب الواحد في العديد من الأقطار العربية.
بداية «هناك» الفصائل الفلسطينية «التي تخوض ـ بالأمر ـ حواراً يبدو عبثياً، حول إعادة توحيد صورة «القضية المقدسة» التي انتهك «القادة» قدسيتها، وأفسحوا في المجال أمام العدو الإسرائيلي لكي يتبدى في صورة صاحب القرار الذي لا يجد محاوراً فلسطينياً قادراً ومؤهلاً ـ في رأيه ـ على شطب القضية… بتوقيعه.
وهناك الوفود السودانية، وواحد منها كان يتصدره «الرئيس» الذي يتزايد معارضوه السودانيون على مدار الساعة، ويتبدى عجز سلطته عن حماية وحدة البلاد ودولتها… أما الوفود الأخرى فتكاد تتفق ضده ثم تختلف في ما بينها على تقاسم المناطق والثروات الطبيعية، وتتداخل عناصر الاختلاف: إثنية وقبلية وطائفية ومعارضة سياسية فيها الشمالي حليف الجنوبي بحدود، وفيها الجنوبي حليف الشمالي بحدود، ولكن وجود القائلين والعاملين لوحدة السودان، شعباً وكياناً سياسياً هو «وجود رمزي» أو أنه شاحب بحيث إنه يبدو مجرد «لون» إضافي في لوحة الانقسام التي تحتشد فوقها «الدول» وكلها يحاول تعظيم حصته من كعكة السودان المقسم.
أما الصومال بجماعاته المحتربة، ومعظمها يرفع راية الإسلام وان تداخلت فيها ألوان الدول الراعية للانقسام، فإن مصير وحدته بات في حكم الميؤوس منه، وانصرف اهتمام الجميع عنه باعتبار أن وضعه أشبه بكرة من نار لا تعرف كيف تمسك بها من دون أن تحترق يداك… والحشد العسكري الأميركي يتزايد في البر والبحر من حوله في انتظار أن تنطلق دعوات «الاستقلاليين» من أهله بطلب النجدة!
[[[
غير بعيد من القاهرة يتطلع العرب جميعاً الى العراق وقد تفككت دولته وانطلقت طوائفه ومذاهبه وأعراقه وعناصره تتناتش أرجاءه الغنية بالنفط تحت بصر الاحتلال الأميركي وغالباً بتحريض منه.. بينما تحاول الإدارة الأميركية تبرئة عسكرها بالادعاء أن قواتها قد أخلت المدن، تاركة للحكومة العراقية التي تحمل بذور تفككها في أحشائها أن تتحمل المسؤولية عن أوضاع هي غاية في التعقيد، بعضها من نتائج حكم الطغيان الذي اختار وريثه ممثلاً بالاحتلال الأميركي، والبعض الآخر من النتائج المباشرة للاحتلال الذي اعتمد اللعبة البريطانية المعروفة، عراقياً «فرّق تسد»… بينما إيران المستفيدة من هذه الانقسامات توظفها في مساومة الاحتلال الأميركي لحماية مصالحها في المنطقة، التي يشكل العراق بعضها بينما هي تتجاوزه الى أفغانستان والباكستان ومعظم الدول الآسيوية الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي سابقاً.
ـ 2 ـ
أما لبنان الذي استدعيت وفود تمثل بعض قواه السياسية، من قبل، الى القاهرة، فإنه يعيش فترة من الانتظار القلق بعد الانتخابات النيابية التي أجريت فيه وشاركت فيها «الدول» جميعاً، عبر طوائفه ومذاهبه، ثم اعتبرت النتائج نموذجاً فذاً للديموقراطية الطوائفية، مع علم الجميع أن موضوعاً بسيطاً كتشكيل الحكومة قد يدفع به ـ مرة أخرى ـ الى مهاوي الحرب الأهلية بشعار الطائفية، بل المذهبية، صريحة.
وفي لبنان على وجه التحديد قد تتبدى صورة التطورات في العراق واضحة من خلال انعكاساتها المباشرة عليه، لا سيما اذا ما استذكرنا البشرى التي زفها إلينا ملك الأردن عبد الله بن الحسين الهاشمي عن «الهلال الشيعي»، والحروب التي شنت أو هي قيد التحضير لدفع «خطر التشيع» عن مصر والسودان وصولاً الى المغرب الأقصى!
بالمقابل فإن السعودية ومعظم أقطار الخليج تعمل، بكل الوسائل، لمنع قيام ما تسميه «دولة شيعية» في العراق بزعم أن الحكم كان فيه للسنة! (كأنما للطغاة دين)، ومن هنا فهي تفترض في نفسها القدرة على تجنيد قوتين متناقضتين في العقيدة والأهداف هما: الاحتلال الأميركي و«تنظيم القاعدة» وما استولدته من تنظيمات مشابهة ثم سلحتها وموّلتها وسهلت لها الوصول الى العراق للحيلولة دون استيلاء الشيعة على الحكم فيه… مع ما تتضمنه هذه «الخطة» من تناقضات سياسية وعقائدية ومن تضارب في المصالح!
ناهيك عن أن يكون «الاحتلال» أو «القاعدة» أقل خطراً من أن يكون الحكم لشعب العراق، الذي لا بد من تقسيمه ليسهل الأمر على الاحتلال الأميركي، وعلى «حلفاء» هذا الاحتلال الذين يفترضون ـ واهمين ـ أن تقسيم أي بلد عربي ستكون نتائجه برداً وسلاماً على أنظمة الأقطار المجاورة، أو أن «تغييب» العراق بالفتنة لن تكون له آثاره المدمرة على مختلف دول الجوار… وبينها هذه التي تعمل جهاراً على تفتيته بدعاوى طائفية ومذهبية.
أعظم الخاسرين نتيجة لهذه الأوضاع العربية هو شعب فلسطين.
وأعظم المستفيدين من غير أن يبذلوا أي جهد هم الإسرائيليون ممثلين بالأقصى تطرفاً من أحزابهم وقواهم السياسية والدينية، بشهادة ما انتهت اليه الانتخابات الأخيرة للكنيست، ثم تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي جمعت عتاة العنصريين.
وقد سهلت الإدارة الأميركية السابقة (جورج بوش) على الإدارة الجديدة (أوباما) أمر الإقرار بالدولة اليهودية في فلسطين المحتلة وعلى حساب شعبها.
[[[
بالمقابل فإن الإدارة الجديدة التي ادعت شجاعة مباغتة، في بداية تعاملها مع «حقوق الشعب الفلسطيني في دولة على أرضه» الى جانب «دولة كل اليهود ـ اسرائيل»، فأعلنت «مقاومتها» لإنشاء مستعمرات جديدة يحتشد فيها وحوش المستعمرين المستقدمين من أربع رياح الأرض، على أملاك الفلسطينيين التي يتوارثونها منذ مئات السنين، في الضفة الغربية والقدس الشريف، قد سحبت اعتراضاتها وارتدت الى موقع الدفاع!… بل ان إسرائيل قد مدت «ملكيتها» بمصادرة أراضي الفلسطينيين في منطقة غور الأردن وفصلتها عن الضفة الغربية تمهيداً لإنشاء المزيد من المستعمرات لمزيد من وحوش المستوطنين… مع التحية لإدارة أوباما وجذوره الإسلامية!
ـ 3 ـ
وأي حوار هو هذا الذي يجري بين «الفصائل» الفلسطينية، والعديد من الدول العربية قد وجد طريقه للخروج من ميدان «القضية المقدسة»، هارباً بجلده من أعبائها الثقيلة.
..ثم ان دولاً أخرى لا تخفي التزامها بالسلطة التي لا سلطة لها في الضفة الغربية، والمتهمة بأن أمرها في أيدي الجنرال الأميركي دايتون، الذي ينظم لها «شرطة» هي أشبه بالجيش، لتكون في خدمة «الاتفاقات المعقودة مع الاحتلال الإسرائيلي»؟!
بغير أن ننسى أن الدول العربية جميعاً لا تفتأ تعلن التزامها بالمبادرة العربية، وان خرج بعضها من المبادرة وعليها، فجعل نفسه وسيطاً بين «السلطة»، المتهافتة وبين إسرائيل المستقوية حتى على الإدارة الأميركية، التي تحاول «غواية» العديد من أهل النظام العربي للتحالف معها في مواجهة الخطر الإيراني الزاحف عليهم الذي بات قريباً جداً، بشهادة الحرب الإسرائيلية على غزة!
كذلك علينا ألا ننسى أن بعض الدول العربية قد جعل من نفسه وسيطاً بين إسرائيل و«السلطة الفلسطينية»، بعدما أنهت إسرائيل حربها على الشعب الفلسطيني في غزة، واهتم بموضوع الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت أكثر من اهتمامه بجرائم الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل ضد أهل القطاع الأسير، المعزول عن الدنيا والمتروك مصير المليون ونصف المليون من أبنائه للريح… فضلاً عن الاهتمام بأصل «القضية».
[[[
كثير من الحوار ولا نتائج عملية..
بل ان بعض أنماط الحوار التي تشهدها القاهرة ليست عبثية فحسب، بل هي تستخدم كقنابل دخان لإخفاء ما يدبر لأقطار عربية عديدة، بحيث تلقى مسؤولية ما سوف يصيبها من دمار وتخريب وتقسيم للكيانات على كاهل هؤلاء المتحاورين الذين خانوا الأمانة وتخلوا عن وحدة أوطانهم وخانوا شعوبهم فمزقوها… وكفى الله المؤمنين شر القتال بحوار معروفة بداياته لكن نهاياته ستكون مجموعة من الكوارث العربية الجديدة القادرة على اغتيال أي غد لأي عربي في أي قطر من الأقطار، بعيدها والقريب.
الطريف أن الحكومة الإسرائيلية تبدي «شجاعة» لافتة في مواجهة الإدارة الأميركية الجديدة، التي جاء رئيسها يبشرنا بتغيير نوعي في سياسة بلاده، ونافقنا بأن ردد على مسامعنا بعض آيات من القرآن الكريم، في مجال تبريره لحق اليهود في دولة يهودية في فلسطين وعلى حساب شعبها بذريعة «المحرقة» التي ارتكبها الحكم النازي، ناسياً أو متناسياً أن الحركة الصهيونية باشرت العمل للاستيلاء على فلسطين (بقوة الغرب) قبل «المحرقة» بنصف قرن من الزمان، وان وعد بلفور، الذي أعطاه الغرب لقادة الحركة الصهيونية بمنحهم فلسطين لإقامة دولتهم عليها سابق على «المحرقة» بربع قرن أو أكثر قليلاً.
ـ 4 ـ
مع ذلك فإن النظام العربي الذي باشر رهانه على إدارة أوباما يكاد ينزلق الى الرهان على بنيامين نتنياهو، ملتفتاً الى الفلسطينيين بلهجة اللوم وكأنهم هم المسؤولون عن التفريط بالقضية المقدسة: لو كنتم موحدين!! لو أنكم سمعتم كلامي! لو أنكم اعتمدتم سياسة خذ وطالب! أما وأنكم لا تسمعون الكلام فتحملوا النتائج! وأنا بريء من دمائكم، اللهم فاشهد!!
مع ذلك تستمر القاهرة مفتوحة للحوار
وأحياناً يكون الحوار من أجل الحوار مجرد قنابل دخانية لإخفاء الانهيارات الخطيرة أو لطمس المسؤولين عن النكبات الآتية.
اللهم إننا لا نسألك رد القضاء، ولكن اللطف فيه!
تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

Exit mobile version