طلال سلمان

مع اخوة عرب وعنهم

ليست مبالغة القول إن اللبنانيين عموماً، وعلى اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية يرون في وطنهم الصغير بيتاً عربياً مفتوحة أبوابه على مصراعيها لأهلهم العرب، بقدر ما يرون في سلامته واستقراره واطمئنانه إلى ثبات دولته شهادة جدارة لهؤلاء الأهل، قبل الدول جميعاً، كبيرها وخطيرها، وبعدها.
لذا فمن البديهي ان يعتبر كل مواطن لبناني في إزعاج أي أخ عربي، عابراً كان أم مقيماً، اعتداء على أمنه الشخصي وتهديداً للسلامة العامة في هذا الوطن الصغير.
ومع ان اللبنانيين عموماً يرون في أي إخطار أو تنبيه رسمي يصدر عن أي دولة عربية لرعاياها في لبنان يطلب إليهم مغادرته، ولو من باب الاحتياط إنذاراً بأن هذا الوطن الصغير في خطر داهم قد يتفاقم بالفتنة إلى حدود الحرب الأهلية.
وتتضمن هبّة الشجب والاستنكار لأي اعتداء على أي مقر رسمي لأية بعثة عربية في لبنان معنى الوقوف ضد الفتنة، بقدر ما توحي بالخوف الشعبي العام من الشر المستطير الذي يتهدد اللبنانيين عموماً ومعهم أهلهم العرب، سواء المقيمون بين ظهرانيهم أو الآتون في بعض رحلاتهم الدورية للنقاهة أو الاستجمام أو العمل أو لذلك جميعاً.
وتربط اللبنانيين بإخوانهم في السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وصولاً إلى عمان، صلات تكاد تكون عائلية..
ويندر وجود عائلة لبنانية ليس بين أفرادها من عمل في الماضي أو هو يعمل الآن، أو يتهيأ لأن يعمل غداً، في بعض هذه الأقطار… خصوصاً أن اللبنانيين قد أسهموا، مع غيرهم من الكفاءات العربية الأخرى (المصرية، الفلسطينية، السورية الخ) بدور غير منكور في حركة العمران والنهوض الاقتصادي، وبذلوا عرق الجباه والزنود وقدرات العقول وحصيلة الخبرات لما فيه خير أهلها وانخراطهم في السباق نحو الغد الأفضل.
باختصار، لا ينكر اللبنانيون على اخوانهم من أهل المملكة وأقطار الخليج، أنهم قدموا مساعدات مهمة، وأنهم بذلوا بسخاء من أجل إعادة إعمار بعض ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز ,2006 وأنهم تعهدوا بالمزيد من الهبات والتقديمات والودائع المالية بالدولار في مصرف لبنان.
لكن اللبنانيين يحتاجون إلى الدور السياسي لأهلهم العرب، وبالذات السعودية والخليج، وقد تعودوا ان للمملكة أساساً، دور الساعي بالخير، العامل للوفاق، المصالح بين المختلفين والجامع بين المفترقين.
لم يألف اللبنانيون ان تكون السعودية بالتحديد طرفاً في خلاف، أو أن تتخذ لنفسها دور المنتقم ، خصوصاً انهم سيكونون ضحية هذا الخلاف الذي ينذر بالتحول إلى تصادم، وأن وطنهم الصغير سيدفع غالياً أعباء هذا الانتقام ، من وحدته الوطنية كما من سلامة كيانه السياسي.
والخلاف بين سوريا والسعودية على وجه التحديد هو عنوان للكارثة، التي لا يملك اللبنانيون أن يمنعوها بمعزل عن موقفهم من أسبابه الفعلية.
إن أي مواطن لبناني يشعر بأن المس بأي أخ عربي في لبنان هو اعتداء مباشر عليه، ولذلك يتصدى لمن يرتكبه ليس فقط بحميّة الأخوة، بل بدافع الحرص على الذات.
وما زال اللبنانيون يأملون في ان يتنبه المسؤولون في المملكة خاصة، كما في سائر أنحاء الخليج، إلى ان هذا الوطن الصغير مهدد بوجوده إذا لا سمح الله استعرت نيران الحرب العربية العربية.
ومن باب أولى ان يتنبه المسؤولون في سوريا، وهم الأقرب بالجيرة والأخبر بالتجربة التي انتهت بصورة مأساوية.
ويفترض اللبنانيون ان وطنهم أغلى على قلوب أهلهم العرب من ان يضحى به على مذبح الخلافات، بينما كانوا يتوقعون ان يتلاقى الجميع من حوله متضامنين ومساندين ومساهمين في تعزيز قدراته الإنمائية والعسكرية جميعاً بعد الصمود البطولي في الحرب الإسرائيلية، خصوصاً وقد افترض لبنان للحظة انه طليعتهم، وأن إسرائيل تقاتله (كما فلسطين) باعتباره كلهم جميعاً، وأنه نوّارتهم التي يهمها ان تطفئ دورها الفضّاح لدولة العنصرية والعداء المطلق لكل أهل هذه الأرض عرباً ومسلمين ومسيحيين وعلمانيين ومتدينين إلخ…

Exit mobile version