طلال سلمان

معلمة المهندس الحسن الثاني

التوقيت هو “لب” السياسية. انه يشرح ويفصل ويفسر ما خفي ويوصل بيسر “الرسالة” المراد توصيلها إلى المعنيين.

وفي الكتاب الفخم الطباعة والباهر الأناقة الذي أصدرته “منشورات دانيال بريان” عن مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، بالمغرب، رسائل عديدة تحاول أن تربط الأمس بالغد من ضمن رؤيا سياسية واعية تماماً لأهدافها المقررة.

ومع التنويه بالجهد المبذول في التصوير وتنسيق المادة وإخراجها ثم في الطباعة، فإن في “الرسائل” التي يتضمنها هذا الأثر النفيس ما يستوقف أي مراقب، لا سيما إذا كان عربياً ومن جماعة “العهد القديم”:

– ثمة تركيز واضح على دور المسجد ـ المعلمة كرابط بين المتوسط والأطلسي،

“فمسجد الحسن الثاني يرتبط وحده بالعنصر البحري الذي يضفي عليه طابعاً خاصاً مع التركيز على إشعاع الإسلام، وتجسيداً لإرادة الحسن الثاني الذي أراد التوكيد على الأية الكريمة: “وكان عرشه على الماء” .

لعل المسجد يكمل ما قصر عنه عقبة بن نافع، فاتح المغرب الأقصى وصاحب الكلمة الشهيرة: “والله لو عرفت أن وراء هذا اليم يابسة لعبرت..” .

– “البناية الواقعة في أقصى غرب العالم الإسلامي وفي مواجهة شمس الغروب” ..

-“وقد استعمل اسمنت ضوعف مفعوله أربعة أضعاف لا لدعم نفق تحت المانش، ولكن لإقامة صومعة لا مثيل لها” ..

هل هذه المقارنة موفقة أو هي تفيد في تزكية المسجد؟!

– ثم الاستشهاد بجملة لفاليري لا تعني شيئاً ولا تشي بعبقريته “يذكر بشيء ما”؟!!

– والاستشهاد بكلام منسوب لفيكتور هوغو الذي كتب متسائلاً: “من سيبرز فجأة، من سينشئ هنالك في إحدى المدن العربية رمزاً لامعاً لا مثيل له يكون كالشهاب الذي يخترق الحجب بسهمه الذهبي”؟!

– التوكيد ان المسجد هو أعجوبة العالم الثامنة وإنجاز القرن..

– التوكيد الشديد للدور التفصيلي للملك في كل أمر من أمور البناء والمواد المستخدمة:

“كان لجلالته الرأي السديد في اختيار الألوان بصفة خاصة.. وكان جلالته يميل الى الألوان التي توحي بالحرارة أو بالقوة، وأشار على الصناع بإدخال الزليج.. وأمر أن يُعتنى كثيراً بمظهر الصومعة الشامخة… واختار حفظه الله لقاعة الصلاة اللون العسلي. وآثر ان يستعمل كلاً من المرمر والزليج على جانبي الصحن الأوسط. واختار قواعد الزليج الاخضر والأبيض.. أما اللون الأخضر والأصفر البرتقالي فقد فضلهما لتزيين المدرسة القرآنية” .

هل ينتقص من قدر الملك، أمير المؤمنين، أن يكون قد أخذ مثلاً برأي المهندسين والصناع؟! وهل ينقص من قيمة هذه المعلمة العظيمة التي تحمل اسم الحسن الثاني فتخلده، ان يكون جلالته قد أوكل الأمر لأهله فأنجزوه وفق توجيهاته؟!

لماذا اصرار الحاكم، كل حاكم، على أن يكون هو صانع كل شيء، موجد كل شيء، القادر على كل شيء، العالم بكل شيء؟! لا يترك لأحد من شعبه شيئاً، كأن الآخرين جميعاً أصفار لا يفقهون في شيء ولا يتقنون شيئاً، قاصرون، وجهلة وأمّيون، وهو وحده العارف؟!

هل مما يزيد في كبر الحاكم أن يكون شعبه قطيعاً؟!

المغاربة لا يعرفون.. اما مهندسو الإدارة العلمية لمجموعة “بويغ” (شركة المقاولات الفرنسية المعروفة)، فقد “صاغوا اسمنتد من شأنه ان يضاعف بنسبة اربع مرات المقاومة المألوفة فيحقق بذلك رقماً قياسياً في العالم من حيث الاسمنت العالي الفاعلية.. وكان من شأن الزيادة في علو المنارة ـ التي تقررت بعد بداية اشغال البناء!! ـ ان ادى بالمهندسين العاملين في قسم التجهيزات (في بويغ، مرة اخرى) الى دراسة واستنباط اساليب خاصة لإعادة التركيب..

لا شك في أن المسجد انجاز معماري عظيم،

ومع التقدير للجهد والإتقان والفن الرائع، فالسؤال الذي يبقى في الذهن: هل كان هذا الانجاز في أولويات شعب المغرب؟! هل كان لو سئل رأيه فضله على ما ينفعه في حياته، في التفريج من ضائقته الاقتصادية، في وقت سيل هجرة ابنائه، الأدمغة والسواعد، الى فرنسا وسائر انحاء اوروبا حيث يموت ألف مرة في اليوم؟!

وسؤال أخير: هل لأعمال البناء والمقاولات التي نفذتها شركة “بويغ” الفرنسية علاقة بالفضائح التي تكشفت، في قلب تلك الشركة الكبرى والتي أوصلت رئيس مجلس إدارتها الى السجن بتهم أقلها الفساد والإفساد والرشى وسوء الإدارة؟!

رحم الله عقبة بن نافع!

Exit mobile version