طلال سلمان

معاهدة تعويض لجورج بوش ادامة احتلال ديموقراطية

لا ما يجري للعراق وفيه، بكل أثقال انعكاساته المحتملة على منطقتنا عموماً، ومنها لبنان بطبيعة الحال، لا سيما في هذه اللحظة التي تتم فيها محاولة شرعنة الاحتلال الاميركي وإدامته لثلاث سنوات إضافية…
ولا ما يجري لفلسطين (المحتلة) وفيها، بكل مخاطر الانقسام الدموي بين »السلطتين« تحت الاحتلال الاسرائيلي والتي لا تملك أي منهما قرارها، ثم على المنطقة عموماً، وعلى لبنان والفلسطينيين فيه، بشكل خاص…
ولا ما جرى ويجري من تحولات في العالم بعد الانهيار المالي الذي تتحمل مسؤوليته ادارة جورج بوش، التي سترحل بعد شهرين تقريباً، مخلية البيت الأبيض لأول »رئيس أسود« في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، بكل دلالاته الخطيرة التي ستبدل الكثير من السياسات والمفاهيم والقيم السائدة…
ليس في كل هذه التحولات والأحداث المزلزلة ما صرف اقطاب »اللعبة السياسية« المحلية عن ثرثرتهم السوقية حول بديهيات التاريخ والجغرافيا والمصالح الوطنية المتصلة »بالعلاقات الطبيعية« بين لبنان وسوريا، فاستمروا في لعبة المزايدة والمناقصة لكسب شعبية رخيصة، ولو باعتماد لغة عنصرية (فضلاً عن الطائفية والمذهبية) عشية الانتخابات النيابية المهيأة لإعادة لبنان ـ دولة ونظاماً وشعباً ـ الى الخلف… بإجماع عز نظيره!
لقد اختلف الزمان، فاختلفت الأسماء والدلالات والمفاهيم، وربما صار ضروريا إعادة تعريف »الوطن« و»الهوية« و»قيمة الأرض« ليكون للإنسان قيمته المرتبطة بها… واستطراداً: الاستقلال… ولماذا لا يكون »الاحتلال« تدعيماً له ولحق تقرير المصير؟!
…واذا كان الجيش الاجنبي منقذاً من الدكتاتورية والطغيان فكيف يمكن تصنيفه محتلاً؟
…واذا كان الشعب الذي كان موحداً قد غدا مجموعات مقتتلة فكيف يطلب من الجيش الأجنبي الانسحاب؟! ان المطالبة خيانة تفتح أبواب جهنم الحرب الاهلية (علماً انه قد فتحها منذ ان دخلت جحافله أرض الرافدين بديلاً ممتازاً للطغيان المحلي).
لقد فرض على العراقيين تحت الاحتلال الاميركي خيار محدد: اما مسلسل من الحروب الاهلية المفتوحة تنغمس فيها العناصر والأعراق والقوميات والأديان والمذاهب، وإما الاحتلال الأميركي الذي يسمى »وجوداً عسكرياً« حرصاً على الكرامة الوطنية!
ولقد فُرض عليهم هذا »الخيار« بينما هم لا يملكون قرارهم، فالانقسام تم تعميقه بالدم، بينما »دول الجوار« تحاول محاصرة النار (الاميركية) في أرض الرافدين حتى لا تنتقل إليها…
لقد حاسب الاميركيون ادارة جورج بوش على ما يعنيهم من امر احتلال العراق (الفشل السياسي مع الكلفة الباهظة مادياً فضلاً عن أعداد القتلى من الضباط والجنود)… ومؤكد ان فشل هذه الادارة كان بين اسباب انتصار باراك أوباما (المطالب بالانسحاب).
اما الطبقة السياسية في العراق، والتي اعاد إليها الاعتبار الاحتلال الاميركي، فتكاد تزايد على »الناخب الاميركي«، وتكاد تسفه مطالبته بأن يعود إليه ابناؤه الذين يقاتلون ويقتلون ويقتلون في أرض بعيدة، ولأغراض يمكن تحقيقها سياسيا في منطقة انهكها الطغيان وهيأها للسقوط في جحيم الحرب الاهلية حتى من قبل الاحتلال الاميركي فكيف بعده؟!
فالانقسام، الذي غدا خارج السياسة حتى وإن تلطى بشعارات سياسية، هو اعظم حليف للاحتلال، سواء اكان اميركيا كما في العراق، ام اسرائيليا كما في فلسطين »السلطتين« ولا استقلال ولا دولة… ولا أمل في مستقبل، بل إن الاحتلال الاسرائيلي يكاد يكتسب صورة »المنقذ« كلما تحقق الفلسطينيون ان »السلطتين« تجرانهم جراً الى ما هو أبعد من الحرب الأهلية: اندثار القضية وفقدان هذا الشعب العظيم شعوره بأهليته واستحقاقه بأرضه!
اما في العراق فإن دوام الاحتلال يكرس »بالديموقراطية«! وعبر »مؤسسات الديموقراطية« التي استولدها الاحتلال الاميركي وابتنى لها مقراتها ودور سكن قياداتها في »المنطقة الخضراء« في بغداد التي يحرسها 47 ألف عسكري (ومرتزق) و23 ألف شرطي عراقي… وهكذا فقد قررت حكومة نوري المالكي، بالأكثرية المطلقة، انها بحاجة الى استبقاء قوات الاحتلال ثلاث سنوات اضافية… لان خمس سنوات من الاحتلال لم تكن كافية لبناء دولة الاستقلال!
وطبيعي اذا ما صار الاحتلال تدعيماً للاستقلال، للدولة، للكيان، وكذلك للديموقراطية، ان تصبح المقاومة او حتى الاعتراض على مثل هذا القرار… خيانة!
وطالما ان الاحتلال الاميركي قد تم بموافقة (وربما بطلب) من عدد من الدول العربية المؤثرة، وتحت عنوان تحرير العراق (وجيرانه الاغنياء الذين طالما دعموه وعززوه بالمال والسلاح والعتاد ونصبوه بطلا للقادسية الجديدة!) فإلى من يلتفت شعب العراق المفروض عليه الخيار بين »الطاغية الوطني«!! والمحتل الاجنبي!!… خصوصا ان كليهما مدعوم من معظم الأنظمة العربية، المجاورة منها والبعيدة!
لم تكف خمس سنوات من الاحتلال الاميركي للعراق، برغم انعكاساتها المدمرة على العراقيين، بل وعلى مجمل الاوضاع العربية، ولا بد من ثلاث سنوات اضافية يبقى فيها المئة وخمسون ألف جندي اميركي (ومثل هذا العدد او اكثر من السفاحين المرتزقة) ينتشرون في 400 قاعدة في مختلف انحاء العراق (والذين في ظل وجودهم بكل اسباب القوة التدميرية الهائلة خسر الشعب العراقي حوالى المليون من ابنائه، قتلا جماعياً او اغتيالا بالجملة، فضلا عن نحو اربعة ملايين مهجر هاموا على وجوههم في اربع رياح الأرض…).
تبقى ملاحظة هامشية هي في صلب السياسة وإن تبدت وكأنها تستهدف بعض القيادات السياسية التي اعطت غطاءً من »الوحدة الوطنية« الشكلية للاتفاق مع الاحتلال الاميركي…
والملاحظة: إن كل القائمين بأمر السلطة تحت الاحتلال الاميركي شركاء في المسؤولية عن هذا الاتفاق، حيث لا فضل لعربي على كردي، ولا شيعي على سني، وهذا أعظم دليل على ان الاتفاق مع الاحتلال هو القاعدة الفضلى للوحدة الوطنية! فإذا كان مسعود البرازاني قد اعلن من امام البيت الأبيض في واشنطن انه مستعد لفتح كردستان العراق امام القواعد الاميركية، فإن وزير خارجية نوري المالكي، هو شيار زيباري هو الذي سيوقع المعاهدة مع الأميركيين، بمباركة بعض من المرجعيات الطائفية »المختلطة«.
حمى الله العراق وشعبه! حمى الله فلسطين وقضيتها!

Exit mobile version