طلال سلمان

معارضات في خدمة حكم

اسوأ المدافعين عن الحكم والحكومة هم أقطابه والمنتفعون به من وزراء ووسطاء ومستشارين وسماسرة ومعاونين وشراحٍ لأفكاره المنيرة،
وأكفأ من يعيدالاعتبار الى هذا الحكم ويزكيه ويغطي عيوبه ووجوه تقصيره الفادح هم المعارضون الذين يفترضون ان بعدهم أو حتى إبعادهم عن السلطة يغطي فضائح وجودهم فيها، أو ان اخطاء الحاضر يمكن أن تبرر أو تغفر لهم التجارب المدمرة التي ارتكبوها خلال تسنمهم السدة في الماضي القريب.
ولولا شيء من التحفظ لأمكن تصنيف ميشال عون وأمين الجميل ودوري شمعون و»بعض« ريمون اده »عملاء« للسلطة القائمة يعملون لأجلها، في الداخل والخارج، ويزكونها من خلال فرض المقارنة بينها اليوم وبينهم بالأمس، أو خاصة في الغد بعدما قرروا انه قد بات بين أيديهم!
أي خيار بائس تفرضه هذه المعادلة على اللبنانيين؟!
ان اغبى ما تقدم عليه المعارضات اللوكس المشتتة بين الأميركيين والفرنسيين والاسرائيليين هي ان تفرض مثل هذا الخيار التعيس على مواطن لا يجد قوت يومه ولا يستطيع أن يفترض ان مستقبله خلفه، وان الذين اخذوه الى العديد من الحروب بالأمس هم المؤهلون لأن يأخذوه الى السلم الأهلي غدù.
ان الحكم يشطح في خطابه السياسي (؟!) احيانù، وفي وعوده الازدهارية والاعمارية والنهضوية في مجال الاقتصاد، دائمù، فيعامل اللبنانيين وكأنهم مجموعات من القاصرين الذين لم يبلغوا سن الرشد، لذا يعطي نفسه حق القرار بالنيابة عنهم وباسمهم…
بالمقابل فان هؤلاء المعارضين »الحربيين« يعاملون اللبنانيين وكأنهم شعب بلا ذاكرة، غرائزهم حاضرة وعقولهم في اجازة، و»أيتام رُضَّع« لا يفقهون من أمور الدنيا شيئù، وعليهم أن ينتظروا دائمù قرار الوصي الجبري ليتبينوا طريقهم وليعرفوا كيف يعيشون حياتهم بمختلف تفاصيلها المملة من تحقيق السيادة وحماية العنفوان الى اصول ملاطفة النساء وحماية الأسنان من التسوس.
بيانات المعارضين هي بمجملها »بلاغات عسكرية« تدعو الى الانقلاب وتحرض عليه وتضرب له المواعيد، بينما هم بمجموعهم اعجز من ان يتلاقوا، مجرد لقاء، فاذا ما تلاقوا تضاربوا، وشهَّر واحدهم بالآخر، ثم لا يفرنقع جمعهم الا وقد قلبوا الطاولات على أنفسهم!
المطاعن كثيرة في هذا الحكم. والمقاتل كثيرة، والوعود اعظم من الامكانات بما لا يقاس، والتعهدات تطلق ثم تنسى، والمصالح الخاصة تغطي على المصالح العامة وتستنزفها استنزافا.
لكن الثابت أن أيا من المعارضين الأجلاء المشار اليهم آنفا لا يصلح محاضرا في الديموقراطية او في العفة او في رعاية الشأن العام، او خاصة في تحقيق »التحرير« والسيادة والاستقلال، ولا هو مؤهل لان يؤتمن على قضايا مصيرية كالمفاوضات مع الاحتلال الاسرائيلي.
يتراكم الكلام الحكومي فوق الكلام المعارض. يتعارك الكلام مع الكلام، يسفه الكلام الكلام. يتساقط الكلام على الناس حجارة من سجيل، ثم يذهب الكلام بالكلام، وتبقى هموم المواطن مقيمة تثقل على صدره وفكره وتغرقه في صمت اليأس العميق، لا حلول قريبة وذهبية كما اوهمه الحاكمون، ولا وصفات سحرية شافية يملكها البعيدون او من افقدتهم تجاربهم الدموية اهليتهم لان يكونوا »المنقذ« او وسيلة الانقاذ!
الناس يغرقون في الضائقة، ولذا يذهبون الى »المعارضة«،
لكن »المعارضين« هؤلاء ليسوا هم »الحل«،
الجمهور معارض، لكن »المعارضات« ليست القيادة او البديل من هذا الحكم الركيك والمتهافت.
بل ان الجمهور يكاد يكون خارج حلبة الصراع بين الحكم ومعارضاته.
هل يعني هذا ان الازمة التي تعيشها البلاد اكبر من الحكم ومعارضاته معا؟!
وهل لان الحكومة غير السياسية لا يمكن ان تنشئ معارضة سياسية؟!
ان لغة المعارضين آتية من الماضي، مثقلة بالدم ودخان الحرائق وصور الخراب والمقامرات المجنونة، والماضي مرفوض برموزه جميعا (وربما يشكل هذا بعض مصادر الطعن في الابرز من اطراف الحكم القائم الآن..)…
ولغة الحكم مستقبلية مزعومة، بينما الواقع يكشف كم انها شرهة الى الثروة وجاه السلطة، بحيث لا يمكن ان تستطيع الاهتمام بمستقبل البلاد والعباد،
اي ان المعارضات عاقر لا تلد ولا تعد بولادة حكم افضل من القائم، فكيف بالحكم المرتجى،
والحكم عاجز يبيع الناس احلام يقظة يعرف سلفا انه عاجز عن تحقيقها، خصوصا مع انشغالات اركانه في تحقيق احلامهم الخاصة وبسرعة قياسية.
لذا تشتد حيرة المواطن: فهو لا يريد الاندفاع مرة اخرى في مغامرات قد تذهب بما تبقى لديه بينما هو على يقين من ان الذين يدعونه اليها لا يملكون ما يقدمونه له الا المزيد من الفقر والبؤس والضياع،
ولكنه لا يستطيع ان يقبل صاغرا بما هو عليه قانعا بالحكمة الخالدة: ليس بالامكان ابدع مما كان!
ربما لهذا تندفع الحركة النقابية ومن معها، مستعيرة بعض خطاب المعارضات، لتتورط في تقديم نفسها وكأنها البديل، وهذا خطأ شنيع يفقدنا هذه الحركة من قبل ان تستعيد عافيتها بغير ان يؤمن لنا ربح البديل، وهذا في اي حال حديث آخر سنعود اليه طالما بقيت فسحة للحوار.

Exit mobile version