طلال سلمان

مصر وحرب الإستيطان

يتابع بنيامين نتنياهو تحقيق »نجاحاته« السياسية الباهرة بتعطيل التفاوض على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية بحيث قد ينتهي بإسقاط ما كان تمّ عقده من اتفاقات على المسار المصري، واستطراداً الأردني،
أما الباب الموارب الذي نجح سلفه الثنائي رابين بيريز في فتحه على بعض أقطار المغرب العربي والخليج فمرشح لأن يغلق مجدداً مستعيداً وضعه الطبيعي.
الذاهب إلى الحرب لا يهتم بالتفاوض إلا كعملية إلهاء عبثية للطرف الآخر تشغله عن النار الزاحفة إليه.
والعائد إلى العزلة في قلعته العالية والمحصَّنة ليمارس الهيمنة المطلقة على »جيرانه« الضعفاء لا يريد أبداً أن يخالط هؤلاء المتخلّفين فيقيم معهم »علاقات طبيعية«، كأن يبيع لهم صناعاته، ويستثمر أموالهم فيجني منها الأرباح الطائلة، ويمنّ عليهم بتقدمه العلمي والتقني في مختلف المجالات، كالزراعة والتعليم والاتصالات. إنه يفترض في نفسه القدرة على أن ينتزع منهم كل شيء مقابل.. لا شيء!
لقد سقط عصر التفاوض والاتفاقات المفرغة من أي مضمون، بين القوة القاهرة وبين الذين لا يملكون خياراً غير الاستسلام، وإلا فالسيف..
وليس تهديداً لنتنياهو أن ترتفع الصرخات المذعورة منذرة بسقوط اتفاق أوسلو، أو بانتفاء الحاجة كلياً إلى مؤتمر مدريد، وبتهاوي الضمانات الأميركية واندثار فاعليتها وقوة الإلزام المضمرة فيها..
وحده كلام كالذي خاطب به الرئيس المصري حسني مبارك رئيس حكومة إسرائيل يمكن أن يجد صداه عند هذا السياسي المتباهي بتطرفه، والمزدهي بقدرته على إجبار الآخرين على التسليم بشروطه، ويمكن أن يردعه ويوقفه عند حده.
ليست الحرب دائماً مدافع وطائرات ودبابات. للحرب الإسرائيلية الحقيقية المفتوحة والتي لم تتوقف إلا نادراً اسم »حركي« هو: الاستيطان.
الزحف البشري الذي يلتهم المدن والقرى والأراضي الفلسطينية، يجلي عنها أهلها يأخذها منهم عنوة، فيبني مستوطناته القلاع؛ تلك هي الحرب التي قد يقل عدد »ضحاياها«، لكن ضحيتها الحقيقية هي فلسطين كلها، القضية والشعب والأرض، وتلك التركيبة الهشة والمفلسة والعاجزة المسماة سلطة الحكم الذاتي.
»إن هذه الأنشطة الاستيطانية تشجع على انتهاك وعدم احترام اتفاقات السلام المعقودة بين إسرائيل والأطراف العربية«.
وبديهي أن يصف الرئيس مبارك النشاط الاستيطاني الجديد أو التوسع في المستوطنات بأنه بمثابة »حرب تعرقل عملية السلام وتقوّض الجهود المبذولة في هذا المجال وتهدم عوامل الثقة بين إسرائيل وجيرانها العرب«،
وبينما تتلهى وفود السلطة البائسة في غزة في المماحكات التافهة حول هذا الشارع أو ذاك في الخليل، وكم شرطياً يكون هناك، وكم رصاصة تعطى لكل مسدس، يذهب نتنياهو إلى مستوطنة آرييل شمال الضفة الغربية ليعلنها »عاصمة للسامرة«، مؤكداً أن »لا بد من توسيعها وإقامة عدد أكبر من المدارس وأحواض السباحة«!
المستوطنات هي الحرب،
والحرب الإسرائيلية مفتوحة ومستمرة، لم تتوقف أيام الثنائي رابين بيريز الذي كدنا ننسبه إلى »العرب«، ولا ثمة ما يشير إلى أنها ستتوقف في المدى المنظور لحكم التطرف الديني والسياسي والعسكري الذي يقوده الآن نتنياهو.
وجيد أن تكون مصر قد تنبّهت فصححت أصل الموضوع، وردت على نتنياهو بأنها تفهم مسلكه توغلاً في الاتجاه نحو الحرب، وأن مثل هذا المسلك لا بد أن يقوّض الاتفاقات السابقة ومنها كمب ديفيد،
فمعلن الحرب على الفلسطينيين في ما تبقى من أرضهم ليس داعية سلام مع المصريين،
كذلك فإن مَن يطلق كل يوم تهديداً بالحرب ضد سوريا، سواء بقرار توسيع المستوطنات في هضبة الجولان، أو بالتلويح بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى قواتها في لبنان أو داخل الأراضي السورية، لن يوزع الهدايا بالعلب على الفلسطينيين والمصريين.
إن نتنياهو يبدو كمن يأخذ العرب إلى شيء من الوحدة، بالإكراه… فهو يعلن الحرب عليهم جميعاً، ودفعة واحدة بحيث لا يترك عذراً لمتقاعس أو متخلف أو بائع أوهام.
إن كل مستوطنة إسرائيلية داخل فلسطين هي قلعة جديدة في خط الهجوم الجديد على العرب في كل أرضهم.
ورسالة الرئيس المصري إلى نتنياهو يمكن قراءتها كنقطة تحوّل جدية في السياسة العربية، من شأنها أن تؤسس لمواجهة حقيقية مع المشروع الإسرائيلي تحت قيادة التطرف في الميدان الأصلي وليس على هوامشه، وبالأطراف المعنيين (والمؤهلين) جميعاً وليس بالمسحوقين باتفاقات التهافت.
والأمل أن يكمل الرئيس مبارك ما بدأه، وهو بالتأكيد لن يكون وحده، بل لعله سيكون مرة أخرى جامع الشمل وموحد الإرادة على مواجهة لا بد منها… حتى لمن يريد السلام، بل لا سيما لمن يريد السلام!

Exit mobile version