طلال سلمان

مصر تنزف روحها

يتفاقم النزف الذي يلتهم عافية مصر، على مدار الساعة،
وهو بالتأكيد قد بلغ ذروة الخطر المميت، أمس، وحين كابر الرئيس المصري حسني مبارك فرفض فضيلة الاعتراف بالخطأ ثم فضيلة التراجع عنه، مشددù على تمسكه بالقانون الأخرق الذي يقضي بحبس الصحافي إذا هو تجرأ على انتقاد أهل الحكم وذريتهم الصالحة!
إنها الضربة الثانية خلال أيام قليلة توجه إلى سمعة مصر ورصيدها المعنوي بل وإلى روحها، بعد الحكم المتعسف الذي أصدره بعض المتعصبين وضيِّقي الأفق من أهل القضاء بحق الدكتور المجتهد نصر حامد أبو زيد والقاضي بالتفريق بينه وبين زوجته،
ليست هذه مصر، التي عرفها أهلها، داخل أرض الكنانة وعلى امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، بل والعالم كله، فأحبوها وقدَّروها واحتفظوا لها في قلوبهم وفي وجدانهم وفي ثقافتهم بمكانة مميزة قلَّ بين الدول مَن حظي بها.
ليست هذه مصر،
فلطالما كانت لمصر صورة المجتمع المتدين بغير تعصّب، المتسامح بغير تفريط، المسالم بغير استكانة مذلة… ولا يقبل منها أو لها صورة الشرطي الموتور يطارد أخاه بالرصاص في الشوارع، بسبب من تشدده في فهم الشريعة، كما لا يقبل منها أو لها صورة المتديِّن ضيِّق الأفق والصدر يطارد المؤمنين الطيبين والمتسامحين بالسكاكين لذبحهم بحجة الخروج على الدين!
ليست هذه مصر،
ومن الظلم الفادح أن تخسر مصر المزيد من رصيدها المعنوي والروحي والأدبي، إضافة إلى ما أصابها من خسائر مفجعة في دورها القومي كما في كرامتها الوطنية وهيبة دولتها المركزية.
العسف لا يعوِّض الهيبة، بل يزيد من خطر اضمحلالها،
ومؤكَّد أن الرئيس حسني مبارك هو اليوم أضعف مما كان قبل أسبوعين،
أضعف في مواجهة إسرائيل التي ما تزال »العدو« برغم كل الأوراق والتواقيع والمصادقات،
وأضعف في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية ووجوه الإذلال التي تمارسها عليه وهي تمنحه الخبز اليومي،
وأضعف بما لا يقاس تجاه من استخصمهم واستخصموه من المتطرفين أو المتشددين أو المتعصبين »الإسلاميين« الذين يتقوَّون بأخطائه، والذين تحوّلوا من تيار إلى قوة جدية تنازل الدولة وتكاد تقاسمها »المواطن« الخائف والمحاصَر، المباح دمه، والمستباحة أفكاره ومعتقداته وحرماته جميعù، بما فيها علاقته بزوجته.
وليس خوف المواطن من حاكمه مصدرù لقوة هذا الحاكم ونظامه،
كذلك ليست مهانة هذا المواطن، مفكرù كان أو كاتبù أو موظفù أو عاملاً بسيطù، دليلاً على هيبة الحاكم وجبروته.
فالمواطن، إيمانه بأرضه، ثقته بدولته كضامن لحقوقه وكرامته قبل خبزه، هو مصدر القوة، فإن ضعف أو امتُهن لم تنفع أعظم الترسانات الحربية في تعويض خسارته.
لماذا يتوغّل الرئيس مبارك في طريق الخطأ المعروفة نهايته؟!
وماذا ينفع مبارك إذا ربح إسرائيل وخسر مصر، إذا ربح رضى الأميركيين وخسر المصريين ومعهم العرب والمسلمون وسائر محبي مصر ومقدرِّيها والذين هم بأمسّ الحاجة إليها معافاة، متسامحة، كبيرة وقادرة، لا تعرف التعصب أو العسف ولا تقبله.
مَن يعيد مصر إلى مصر؟!

Exit mobile version