طلال سلمان

مصالح بدلا من حرب

لن »يتلبنن« النظام السوري، قطعا… ولكن التحولات الهادئة والمضبوطة التي تقدم عليها قيادته الجديدة لتطويره وتأمين »الانتقال السلمي« إلى قدر من الانفتاح على العصر والتخفيف من قبضة الدولة على وسائل الانتاج وحركة المال والاستثمار، تلاقي ارتياحا واضحا في بيروت وتنعش الآمال في علاقة أكثر سلامة وبالتالي أعظم فائدة للبلدين المتكاملين بالضرورة، في المصالح قبل العواطف وقبل موجبات الانتماء القومي.
»انها قرارات لبنانية… أو أن لبنان هو أكبر المستفيدين منها، ولذا فلسوف يكون معنيا بإنجاحها«..
بمثل هذه العبارة المرحبة استقبل المعنيون، في القطاع الخاص طبعا، من رجال المال والأعمال، »التوجهات« التي أقرتها قيادة حزب البعث في سوريا، في جلستها الأخيرة أمس الأول، برئاسة الرئيس بشار الأسد، بإحداث مصارف خاصة على شكل شركات مساهمة خاصة أو مشتركة بين القطاعين العام والخاص، وإصدار قانون لسرية المصارف والعمل المصرفي وإحداث سوق لتبادل الأوراق المالية.
على هذا تتبدى مفارقة لافتة، في توقيتها كما في مضمونها، أن يطلق بعض اللبنانيين نداءات »الحرب« ضد سوريا، بينما تتوالى خطوات القيادة الشابة فيها في اتجاه الانفتاح على لبنان، بنظامه الاقتصادي المختلف ومصالحه الحيوية (المشتركة) لا سيما على الصعيد الاقتصادي.
ويروي بعض أبرز الخبراء في القطاع المصرفي في بيروت انه خلال جولاته في البلاد العربية »لاستدراج« المزيد من الودائع والاستثمارات، كان يجذب اهتمام مضيفيه جديا عندما يباشر الحديث عن الفرص المتاحة في سوريا »بوصفها امتدادا طبيعيا للسوق اللبنانية، لا سيما في المجال المصرفي«.
وبمعزل عن النقاش العقائدي لهذه الخطوة السورية الجديدة المؤكدة لتحولات باشرها النظام قبل فترة، ثم جمدتها ظروف سياسية طارئة، وهو الآن يستكملها بخطوات مدروسة بدقة، فإن الاستنتاج المنطقي ان مثل هذه التحولات »مصلحة لبنانية« مباشرة بقدر ما هي مصلحة سورية مؤكدة، بل وضرورة حيوية لسوريا ونظامها العتيق الذي تجتهد القيادة في تطويره من دون أن تسقط في »المحظور السوفياتي«.
لقد تحرر النظام السوري من »عقدة لبنان« منذ أمد بعيد.
ولعل بين ابرز نجاحات الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد انه نجح في »تدجين« أو »استيعاب« النظام اللبناني القوي جداً، والذي شكل لفترة طويلة الهاجس المقلق للنظام في سوريا، بوصفه »النموذج المغري« و»التحدي الابرز« بحرياته الاقتصادية ومن ثم السياسية،
كان النظام اللبناني بفوضاه شبه المطلقة. وبقدرته على التكيف والتأقلم واستيعاب الضربات، مصدر الخطر المباشر على النظام في دمشق، منذ اليوم الاول لخروج الانتداب الفرنسي من البلدين التوأمين… اذ كان يقدم »النموذج الضد«. ومن هنا كان تعهد حكومة الاستقلال الاولى بألا يكون لبنان »المقر او الممر« للقوى المعادية لسوريا والمتآمرة على نظامها وقيادته، من بعد.
لكن حافظ الاسد استطاع، وعبر تجربة غنية بالدروس، استيعاب هذا النظام، ومن ثم توظيفه لخدمة المصالح القومية لسوريا، عربياً ودولياً، سياسياً، بالاساس، واقتصادياً الى حد كبير.
ها هو بشار الاسد يواصل ما بدأه الاب فيقوم بخطوة واسعة يفترض ان يكون لبنان المعني الاول، المرحب الاول بها، والمستفيد الاول منها، بمعزل عن »العراك« حول الوجود السوري… فالمصالح هي التي تحكم.
ومع التسليم بضرورة تنظيم العلاقة اللبنانية السورية و»بين الدولتين والقيادتين«، وتقنينها، واظهار »وجهها النظيف«، الذي كادت تطمسه المنافع والمصالح الشخصية والغرائز الطائفية والمذهبية والارتجال والاستزلام والاستهدان الخ فان الاهم ان تؤخذ المصالح المشتركة بالاعتبار، خصوصاً وان المرحلة نفسها توفر للبنان فرصة ذهبية لأن يكون هو المستفيد المباشر من التحولات المهمة الجارية في سوريا.
ان حديث المنافع السياسية للاشخاص المتسترين بطوائفهم او المسلحين بعصبياتهم المذهبية، او المنافقين، والمتجاوزين »دولتهم«، والبائعين »ايمانهم بالحرية والسيادة« لاول مشترٍ، لا يفىد الا في خلق مناخ من الفتن والتوترات التي تؤذي لبنان بقدر ما تؤذي سوريا.
اما المصالح المشتركة التي لا تقبل الزلفى ولا المخادعة، فهي التي يمكن ان ترسي العلاقة على قاعدة صلبة تبين فوائد »الانتماء القومي«.
ان »وحدة المسار والمصير« تتأكد على قاعدة الصمالح المشتركة التي تعود بخيرها على الشعبين الشقيقين اكثر مما تؤكدها خطب المناسبات المتخمة بالجمل الثورية والتي تدوي بسبب فراغها من اي مضمون.
اما »الحرب« فستظل تجد من ينفخ في رمادها طالما ظل الوجه العسكري للوجود هو الطاغي، خصوصاً في ظل القصور السياسي عن اظهار الفوائد المرتجاة من التحولات المؤكدة لمشاركة لبنان في المصالح السورية، والعكس بالعكس.

Exit mobile version