طلال سلمان

مشكلة الاحتلال وحق المقاومة

ما تزال إسرائيل تصر على تقديم النتيجة على السبب: فهي بلسان أقطاب حكومة التطرف فيها تتجاهل الاحتلال المستمر للأرض اللبنانية، في الجنوب والبقاع الغربي، وتتحدث عن المقاومة وعملياتها الناجحة وكأنها »حرب لبنانية« تستهدف تهديم الكيان الإسرائيلي!
كأن هذه المقاومة الوطنية الإسلامية تضرب في تل أبيب أو في حيفا أو في يافا أو غيرها من المدن الفلسطينية المحتلة، والتي باتت الآن حواضر »إسرائيلية«.
وليس ذلك غباء أو خطأ في الحساب، ولكنها القاعدة في العمل السياسي العسكري الإسرائيلي: الاحتلال حق مشروع والمقاومة اعتداء قد يصل إلى حد »الإرهاب«، ويجري الرد عليه بالاجتياح الناري وتدمير القرى والمزارع وقتل النساء والأطفال والشيوخ، وتهديم المدارس داخل الأرض اللبنانية المحررة، أي خارج الشريط المحتل، حيث تقاتل المقاومة بدمها لتحرر الأرض، ليس إلاّ.
وهذه القاعدة مطبقة في فلسطين المحتلة، وبالتحديد في الأرض التي زعمت إسرائيل أنها قد سلّمتها إلى »سلطة عرفات«، كما هي مطبّقة في لبنان: أي مقاومة للاحتلال هي اعتداء على الكيان الإسرائيلي، وهي »إرهاب« مباشر يُستنفَر العالم لاستنكاره وإدانة الاستشهاديين حتى بعد بذل دمائهم لكي يبقوا في أرضهم.
على أن بنيامين نتنياهو، الذي حقق في الفترة الأخيرة مجموعة من الانتصارات الدبلوماسية، نتيجة تهالك عرفات، وتشرذم الموقف العربي، وتخاذل الإدارة الأميركية، يواصل الآن خطته الهجومية في لبنان ومعه وانطلاقا منه على سوريا.
إنه يباشر حربا وقائية لحماية »اتفاق واي« الذي يكاد يكون تصفية شبه نهائية لفلسطين كقضية، ولحقوق شعبها (في الداخل وفي الشتات على السواء)، في أرضها، وبينها حقه في القدس بوصفها بعض أرضه، انتهاء بحقه في إقامة »دولته« ولو على جزء من أرضه (التاريخية)!!
وهو يحارب داخل إسرائيل، كما يحارب داخل فلسطين، وها هو يلوّح بمد الحرب أو بنقلها إلى لبنان.. واستطرادا إلى سوريا.
إنه يحارب المطالبين من الإسرائيليين بالانسحاب من لبنان تطبيقا للنص الأصلي للقرار 425 وليس للتفسير الذي ابتدعه له، والذي ربط تنفيذه بشروط مستحيلة.
وهؤلاء ينتظمون قوى سياسية متعددة، أبرزها حزب العمل وبعض الاتجاهات اليسارية، ثم »الإسرائيلي« العادي الذي لا يريد أن يموت مجاناً ومن أجل حماية عميل كأنطوان لحد، كما أنه غير مقتنع بأن وجوده داخل الأرض اللبنانية القاتلة ضروري فعلاً لحماية الجليل، في ظل وجود قوات للأمم المتحدة، تنفيذاً لذلك القرار الذي ظل منسياً لعشرين عاماً، مهمتها أن تساند الجيش الوطني في انتشاره لحماية التراب الوطني اللبناني.
ان التهديدات المتوالية للبنان، والمطالب التعجيزية التي وجهها أقطاب التطرف الإسرائيلي إلى الرئيس إميل لحود وإلى الجيش، ليست مجرد تبرير مسبق للاعتداء الجديد، ولكن لها مهمة أساسية هي حماية »اتفاق واي« من مقاومة محتملة قد تطيح به وبمن عقده.
كذلك، فإن بين مهام هذه التهديدات، مع كل المظاهر الدراماتيكية التي رافقتها، كقطع الجولة الأوروبية، حصر الأزمة في لبنان، وفي مقاومته، واعتبار سوريا مجرد محرض، وبالتالي تعطيل أي تحرك أميركي جدي »لبعث« العملية السلمية التي حاول اغتيالها شمعون بيريز بمجزرة قانا كعنوان لاجتياح 1996، ثم جاء نتنياهو ليجهز عليها كلية.
إنها حرب على »العهد الجديد« في لبنان، الذي جدد الالتزام بترابط المسارين، والذي أعاد بلورة الموقف الوطني في أوضح صيغة.
وهي حرب على سوريا عبر لبنان ومنه، خصوصا وثمة ما يشير إلى أن بعض المشاريع المشبوهة قد يعاد طرحها مجددا، لعلها تشق الصف في لبنان، أو تأخذ بعض أصحاب المراهنة الخاطئة الى التيه.
وهي حرب على مبدأ »السلام«، فالأمن هو ما يعني إسرائيل أولاً وأخيراً، وإذا استتب لها الأمن في الداخل وعلى »حدودها« عمّ »السلام«… سلام الموت، واكتملت الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة… بسلام!
وقدَر لبنان أن يقاوم، وأن يواجه، لكي يبقى وطناً.
وها هي المقاومة الباسلة لفتيته الغرّ تثبت جدواها، فتطرح المشكلة عند المتسبب فيها: أي في إسرائيل!
والمهم ألا يتبرع »بعض« العرب بحل لهذه المشكلة على حساب لبنان وسائر العرب، ونخص بالذكر منهم جماعة الاتفاقات ودعاة التطبيع والمهرولين الى الأمن الإسرائيلي على حساب السلام العربي.

Exit mobile version