طلال سلمان

مشاورات في انتظار اشارة عربية

قبل خمسة وسبعين يوماً أوقفت إسرائيل رسمياً حربها على لبنان، بعد مماطلات وعمليات تسويف استهدفت، بغير نجاح، تحقيق تقدم عسكري على الأرض يمكنها من فرض شروطها للهدنة الجديدة ..
.. ومنذ خمسة وسبعين يوماً و الأقطاب من أهل السياسة ومعهم بعض المرجعيات غير الزمنية يشنون حروباً لا تتوقف على المواطنين اللبنانيين: على عقولهم، على ذاكرتهم الوطنية، على البديهيات التي تربّوا عليها وكانت غالباً خارج النقاش… فنسبوا إلى إسرائيل نصراً لم تحققه، بعدما برأوها من جريمة الحرب ذاتها التي حمّلوا المسؤولية عنها للمقاومة، وحمّلوها بالتالي المسؤولية عن نتائجها بالمجازر والتدمير والتهجير والتخريب المتعمد لأسباب العمران من أقصى لبنان جنوباً إلى أقصاه شمالاً، مروراً بالبقاع، مع تخصيص ضواحي بيروت الجنوبية بغارات على مدار الساعة كانت تستهدف في جملة ما تستهدف فصلها عن أمها والإيحاء لمن هم خارجها بأن الصواريخ والقذائف الذكية تعرف أهدافها من طائفتهم!
على امتداد هذه الأيام الطويلة من الاتهامات التي لم توفر للشهداء حرمة، والتي لم تبق مجالاً لإدانة إسرائيل بجرائمها ضد البشر والبيوت والزيتون والبرتقال والتبغ والعنب وحقول القمح، انشطر كل لبناني إلى نصفين: عقله يدله إلى العدو في حين ان الجهد المبذول لتحريك غرائزه واستثارة عوامل التعصب وأسباب الفتنة النائمة يكاد يخرجه عن طوره فيدفع به إلى الشارع وسلاحه في يده للانتقام من… أهله!!
ومن أسف أن الخطب والتصريحات والبيانات المتلفزة والمقابلات الموجهة، في ظل صمت عربي بالخشية من إغضاب الإدارة الأميركية أو التسبب في انهيار الحكومة الإسرائيلية الضعيفة أصلاً، كل ذلك قد شوّش على العقول وغطى على الوقائع بل وزيّفها أحياناً، فإذا لبنان مشطور إلى نصفين بل ربما إلى أرباع، وإذا اللبنانيون الذين قدموا خلال الحرب الإسرائيلية صورة رائعة للتضامن الوطني والتكاتف والتساند في مواجهة العدوان يفترقون ثم يتفرقون نتيجة الحملات المسمومة على وعيهم ومواقفهم المبدئية والتزامهم الوطني…
وعلى امتداد شهرين سادت القطيعة ، بين أهل الحل والعقد وتحول الحوار الوطني إلى تراشق بالاتهامات، وإلى استقواء بالأجنبي على الوطني، وتم التشهير بفكرة المقاومة ذاتها وليس فقط بالمقاومين وقيادتهم، وصار الصمود الأسطوري والبطولة في المواجهات مع جيش الاحتلال خدمة لمصالح خارجية واستتباعاً لإرادات غير لبنانية… في حين صار الأميركي قائداً للركب الاستقلالي والفرنسي رائداً للسيادة والبريطاني داعية للوحدة الوطنية والألماني حامياً للمياه الاقليمية برغم التصريحات الرسمية التي قالت ان البحرية الألمانية إنما جاءت لحماية إسرائيل، من دون ان تحدد لنا ممن؟!
كان لا بد، إذاً، من محاولة لإعادة جمع المختلفين، الذين لم يجتمعوا منذ دهر، لا فرق إن كان ذلك قد تم بالرغبة أو تلبية لطلب من الأصدقاء الكثر الذين تجمعوا في تظاهرة نادرة المثال لإنقاذ لبنان… من نفسه.
وهكذا فإن تلاقي هؤلاء المختلفين للتشاور حول البديهيات قد يفيد في نقل خلافاتهم إلى داخل قاعة مقفلة، مع أن كلاً منهم سيسرب إلى الخارج ما قاله وما لم يقله مما يمكن ان يرضي شعبه ، انطلاقاً من أن في لبنان شعوباً وقبائل شتى..
ولعل هذه الدعوة إلى التلاقي، مجدداً، تحرك في العرب الذين كانوا يظهرون حماسة بالغة للحوار الوطني، شيئاً من النخوة و الاستعداد لنجدة هذا الوطن الصغير المثخن بالجراح والهموم وانعكاس الخلافات بين الأنظمة عليه.
لعل هؤلاء المعنيين من العرب يتحركون فلا يتخلوا عن لبنان، بعد العراق، للأجنبي يقرر له مصيره وفق مصالحه وعلى حساب شعبه وأهله العرب.
ألا تكفي العرب نكبتان في العراق وفلسطين حتى تجيء الثالثة من لبنان فتمتد ألسنة الحريق إليهم حيث يفترضون أنهم محصّنون؟!
يستطيع نبيه بري أن يدعو آخرين إلى التشاور.. لكن الجميع ينتظر الإشارة ليتقدم من المشاورات إلى الحوار ومن بعده إلى ما يمكن أن يكون أساساً للتوافق برعاية عربية أساساً، حتى لو كانت الدول في خلفية الصورة!

Exit mobile version