طلال سلمان

مسلسل الاعترافات بالعدو – القفز من فوق فلسطين إلى .. حضن العدو!

لم تعد للوطن العربي خريطة واحدة: لقد أقدم الاستعمار الجديد، أي الولايات المتحدة الأميركية بالشراكة مع العدو الإسرائيلي، وبالتواطؤ مع “نخبة” من حكام الوطن العربي أولهم الرئيس المصري المغدور أنور السادات، والثاني الراحل الملك حسين بن طلال بن عبدالله ابن الشريف حسين الهاشمي، على التخلي عن فلسطين والاعتراف بالكيان الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه كأنه دولة أخرى: سفارة وعلاقات اقتصادية وخطوط طيران مفتوحة وطائرات وشركة “العال” الاسرائيلية تحط وتطير من مطاري القاهرة وعمان.. والتبادل التجاري عال العال، كما العلاقة بين “الجيران الأخوة”، بل أمتن.. إذ كثيراً ما اختلف أهل النظام في بلدين عربيين شقيقين فأقدموا على قطع العلاقات كافة، ولتذهب الأخوة إلى الجحيم!..

أما عندما تولى ياسر عرفات العمل الفدائي تحت اسم “فتح”، ثم رفعته الظروف العربية إلى موقع رئيس السلطة الفلسطينية، فقد كان طبيعياً أن تدخل منظمة التحرير في مسلسل التنازلات وصولاً الى الصلح واستعادة “ما تيسر” من الأرض المحتلة..

هكذا تقزمت القضية المقدسة وضمر حضورها ووهجها في المنتديات الدولية، كما أنهكتها المساومات مع الأنظمة العربية، وقبلها مع العدو الإسرائيلي، فصارت “السلطة” مشروعاً فاشلاً “لدولة” خُنقت قبل ولادتها، وابتلعت الإدارة الحكومية والمساومات اليومية مع الاحتلال زخم الثورة، وصار “للسلطة” سفارات وقنصليات بمصاريف تذهب بميزانيتها فتلجأ إلى الاستدانة وإلى التنازل أمام العدو عما كانت قد اتفقت معه عليه..

السلطة تفلس يوماً بعد يوم وتصبح مضطرة إلى المزيد من التنازلات وغض النظر عن توالي معاهدات الصلح بين دول عربية أخرى ودولة العدو..

لم يعد الصلح مع العدو خيانة بل هو “شيء من الشطارة السياسية” والاعتراف بواقع الضعف والعجز عن المواجهة والالتزام بموجبات العمل القومي ووحدة الموقف من العدو الصهيوني المعزز بالخيانة قبل البيت الأبيض وبعده.

***** 

بعد “حرب تشرين” عقدت مؤتمرات دولية، أبرزها ذلك الذي انعقد في جنيف وجمع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والرئيس الأميركي بيل كلينتون، لكن هذا الاجتماع انفض عقده بعد ثلاث دقائق، حين أصَّر الرئيس السوري على استعادة الجولان والشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، قائلاً للرئيس الأميركي:- كنت أسبح هناك وأنا ضابط برتبة ملازم فكيف تريدني أن أتنازل عن الجولان وطبريا بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري عبر جيشه البطل، وساندته في موقفه معظم الدول العربية؟!

… ثم تنامت قدرات المقاومة الشعبية في لبنان بدعم من إيران، وباشر “حزب الله” حرب التحرير، وقدم تضحيات غالية وهو يقاتل لطرد قوات الغزو الإسرائيلي من الأرض اللبنانية حتى جاء النصر ومعه التحرير في الخامس والعشرين من أيار 2000..

على أن العدو الإسرائيلي عاود الهجوم على لبنان في 12 تموز 2006 فقاتله مجاهدو “حزب الله” وأهل الجنوب عموماً لمدة شهر طويل، حفل بالتضحيات الجسام وتدمير بعض القرى والبلدات في جبل عامل كما في البقاع والشمال لوقف الامدادات وكسر شوكة “حزب الله” والمقاومين جميعاً..

لكن المقاومة كانت أعظم من تقدير العدو الإسرائيلي، وخسائره كانت ثقيلة جداً (اسقاط طائرتين وتدمير عشرات الدبابات والمصفحات والمدافع وسقوط مئات الضباط والجنود الإسرائيليين بين قتلى وجرحى..)

بل أن وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية كوندوليزا رايس جاءت إلى بيروت، وقصدت إلى السراي، وظلت في سيارتها حتى نزل رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة لاستقبالها. وهناك قدمت “إنذاراً” بوقف النار لكن المقاومة استمرت.. حتى إجلاء آخر جندي إسرائيلي واحتدمت الأزمة السياسية الداخلية نتيجة اختلاف الرأي بين رئيس الحكومة الذي لم يتورع عن المساومة على دماء المجاهدين وأكثرية اللبنانيين الذين رأوا في دحر الهجوم الإسرائيلي نصراً باهراً للمقاومة يضاف الى سجلها الحافل بالتضحيات والانتصارات..

على أن هذا كله لم يؤثر جذرياً ولم يستطع إجبار أهل النظام على التصدي لبناء دولة قوية وقادرة على حماية الشعب والأرض، وإجبار العدو الإسرائيلي على احترام إتفاق الهدنة والحدود اللبنانية، وإلا.. فإن عادوا أعدناهم صاغرين!

***** 

ما لنا والأمس: ها نحن نشهد إقدام من يمثل دولتين عربيتين لا يزيد عدد سكانهما معاً عن مليونين في الإمارات العربية المتحدة التي تضم ست مشيخات (وأهلها من العرب العاربة) والبحرين وهي جزيرة في قلب الخليج العربي عرف أهلها بتجاوز المذهبية والطائفية وقمع الحكم والإصرار على طلب الوحدة مع الأقرب أو الأقوى من الدول العربية… لكن حاكمها الذي كان أميراً أصّر على أن ينصّب نفسه ملكاً، بعد سنوات من قمع شعبه ومحاولة إثارة الفتنة بين “السنة” و”الشيعة” ليطمئن الحكم إلى أن هموم الحياة تشغل الجميع، وهكذا أقدم على اإفاد وزير خارجيته إلى واشنطن ليوقع مع نتنياهو مع الإمتنان لضيافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التحاقاً بعبدالله بن زايد الذي وقع نيابة عن أخيه الأكبر الشيخ محمد بن زايد صك الإستسلام للعدو الإسرائيلي..

وقبل أن يجف حبر هذه التواقيع المذهبة كان العدو الإسرائيلي يعلن عن فتح باب التعاون بين مرفأ حيفا في الأرض الفلسطينية المحتلة وبين دبي..

والبقية تأتي ما لم يتحقق المضمون القدسي: “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

Exit mobile version