طلال سلمان

مسجد في وطن لا ارض مسجد

أعطتنا الانتفاضة في المباركة فلسطين عيدا ثانيا هذا العام، بعد العيد الذي اصطنعته المقاومة الباسلة والصمود الشعبي والرسمي في لبنان بإجلاء الاحتلال الاسرائيلي عن ارضنا…
هنا وهناك يستحق العيد الدم الذي بذل من أجله، فلقد استعاد الناس والأرض والقضية وكذلك العدو اسماءهم الأصلية وغارت جبال من الاوهام والمخادعات والاكاذيب التي كانت تغلف السياسات والسياسيين وتزور صورتهم علينا.
.. مع ذلك تستمر إسرائيل المشغولة بانقساماتها الداخلية وصراعاتها الحزبية حول الأعظم تطرفا، في محاولة طمس الحقيقة او تزييفها عبر تجديد هذه المفاوضات التي لا تنتهي حول البديهيات التي تستعصي على الموت قتلا برصاص الاحتلال جنودا ومستوطنين مستعمرين.
فعلى إيقاع الدم الفلسطيني الذي يكاد يغطي الآن كل حبة تراب في تلك الأرض المقدسة، تتواصل المفاوضات المستحيلة بين من لا يملك ان يعرض ومن لا يملك ان يقبل وفي »رعاية« من لا يملك ان يقرر، للاتفاق على إطار اتفاق لا يمكن منطقيا وواقعيا الاتفاق عليه.
وبينما تمنع اسرائيل الصلاة في الحرم القدسي، فتسد الطرق بالدبابات والحواجز المسلحة، وتطلق الرصاص على القادمين لصلاة الجمعة (تعجيلا في وصولهم الى الرفيق الاعلى!!)، فإن وفدها المفاوض في تلك القاعدة العسكرية الاميركية بالغ في السخاء فعرض على الفلسطينيين وتلبية لنصيحة المضيف الاميركي السيطرة على »بعض« القدس، ومن ضمنها »بعض« الحرم القدسي، من دون »جبل الهيكل« كما تحدده سلطاتها بما يكاد يذهب بالبقية الباقية من القدس الشرقية (او العربية) التي اخترقت اسرائيل احياءها القديمة بحوالى مائة وخمسين ألفا من اليهود القدامى او الوافدين تحت لافتة الاستعمار الاستيطاني.
على ان اسرائيل تطلب، بالمقابل، شطب قضية اللاجئين (اي اكثر من نصف عدد الفلسطينيين الذين شردتهم ومنعتهم بالقوة من العودة الى ارضهم)… وتحصر المساومة ببعض الساحة من دون حدود، وباحتمال إقامة دولة (داخل دولتها) من دون سيادة،
اي ان اسرائيل تعرض، وفي حيلة مكشوفة، بعض الحرم القدسي مقابل معظم فلسطين، ارضا وشعبا وقضية.
لا جدال في الاهمية الاستثنائية والمكانة المميزة للمسجد الأقصى وسائر الرموز الدينية ذات الجلال في المدينة المقدسة، والتي تخص المسلمين والمسيحيين على حد سواء،
لكن الحرم القدسي هو، في نهاية المطاف، مسجد جامع في وطن، في فلسطين، وليست فلسطين مجرد موضع للمسجد الجامع.
والقدس، بما فيها المسجد الأقصى وسائر الرموز الدينية، تحتل مكانة رفيعة في نفوس المسلمين والمسيحيين، ولكنها اولاً وأخيراً مدينة فلسطينية تخص شعبها الذي حفظها وصانها وحمى هويتها هويته على مر الدهور.
انه نفاق اميركي اسرائيلي مكشوف للمسلمين خصوصاً ثم للمسيحيين الذين جعلوا القدس محجتهم، على حساب شعب فلسطين وحقه في أرضه وفي دولة فوقها عاصمتها سياسياً وليس دينيا القدس.
ان شطب اللاجئين وحقهم في العودة، يعني شطب نصف الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه.
ثم ان المساومة على الأرض تكاد تجعل ما يخص الفلسطينيين منها أقل من ربع مساحتها الاصلية، فالمستوطنات القائمة في القدس ومن حولها وفي الضفة الغربية وغزة تعود فتنزع عملياً و»شرعيا« هذه المرة وبالتوقيع الفلسطيني اكثر من ثمانين في المائة من أرض فلسطين الاصلية للكيان الاسرائيلي (النهائي!!).
ان المسجد الأقصى يتمتع بأعلى درجة من القداسة، وكذلك الكنائس ودرب الآلام والرموز الدينية المسيحية، وهو امر يشترك فيه ابناء فلسطين جميعا اضافة الى مجموع المسلمين والمسيحيين خارج فلسطين.
لكن القدس، بداية وانتهاء، مدينة فلسطينية، وليست بمساجدها وكنائسها مجرد تميمة او ايقونة، مقدسة ولكنها مشاع وبلا صاحب، قد يتداولها ويتناقلها الجميع ولكنها لا تخص احداً بالذات، او انها بلا هوية.
انها مدينة للانسان، والانسان يعيش على الأرض وبها. واسم الأرض فلسطين… وأهلها مشردون خارجها او منذورون للقتل داخلها،
فأي اتفاق هو الممكن بين القاتل والشهيد؟!.

Exit mobile version