طلال سلمان

مساعدة باراك اوباما صمود عربي في فلسطين

شكراً، مرة أخرى، للدم الفلسطيني الذي غمر الأرض (والضمائر) جميعاً، وأعاد القضية التي تستعصي على الإطفاء والانطفاء إلى الموقع اللائق بنضال هذا الشعب الذي لا يكف عن تقديم التضحيات الغوالي جيلاً بعد جيل.
بفضل هذا الدم الذي سفحته المذبحة الإسرائيلية الجديدة في غزة، على امتداد اثنين وعشرين يوماً بلا ليل، ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمدارس والجامعات والمساجد والمقابر والبيوت الفقيرة إلا بالورد وروح الصمود، وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما ضرورة أن يستذكر ما نسي أو أغفل الإشارة إليه خلال الاحتفالات المبهرة بتنصيبه، ومن هنا كان حديثه المهم الموجه إلى العرب جميعاً، وإلى المسلمين عامة، والذي اختار له بقصد مقصود فضائية »العربية« بالذات.
المقابلة حدث غير مسبوق، بمعنى أن الرئيس الأميركي الجديد قد خرج على المألوف، وتوجه إلى »الناس« عموماً، ومباشرة، متخطياً حواجز البروتوكول، ربما بقصد أن يحدث صدمة إيجابية لدى الجمهور العربي الذي صار ـ بالتجربة الحسية ـ أقرب إلى تصنيف أميركا كعدو، إن لم يكن يتقدم على إسرائيل فهو يزاحمها على المرتبة الأولى، نتيجة ممارساتها الفظة والتي كلفت العرب دماء غزيرة وعزيزة سالت حتى غطت أرض السواد في العراق، فضلاً عن استقرار تصنيفها شريكاً في كل جرائم إسرائيل ضد شعب فلسطين، كما ضد شعب لبنان، كما أثبتت أوامر إدارة جورج بوش خلال حرب تموز ،2006 وهي معلنة ولا تحتاج دليلاً أو شرحاً.
ولقد أظهر الرئيس الأميركي الذي اعتبر انتخابه حدثاً استثنائياً، يهدف إلى إنقاذ بلاده من أزماتها الاقتصادية والسياسية، ومن سجل ارتكاباتها المخالفة للقوانين الدولية وللأعراف وكرامة الإنسان، إن في معتقل غوانتانامو أو في السجون العراقية، براعة ودهاء حين قال إنه لا يعرف كفاية عن أسباب الأزمة مع العرب (والمسلمين) وان على إدارته أن تعرف كل العناصر، وأنه يريد أن يشرح لأمته أن العالم الإسلامي مليء بأشخاص يريدون السلام، وأن المسلمين ليسوا أعداء… ليخلص إلى أنه يرغب في أن يرى قيام دولة فلسطينية، لأن الاستقرار لن يتحقق في هذه المنطقة إلا بإقامتها… مع التشديد على صعوبة هذا المطلب.
على هذا فهو قد أوفد رسوله الخاص إلى المنطقة جورج ميتشيل لكي يسمع..
.. وهو قد باشر عمله بأن اتصل بقيادات في المنطقة، أولها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بطل الحربين ضد لبنان وغزة، ومن بعده بعض الملوك والرؤساء العرب، تمهيداً لأن يعلن في حديثه أن في »المبادرة العربية« أفكاراً قد تكون مفيدة… ولعله كان بذلك يشير إلى ما أعلنه الملك عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية في الكويت، من أن هذه المبادرة لن تبقى على الطاولة إلى الأبد.
وبالتأكيد فإن العرب والمسلمين عموماً سيرحبون بهذه السابقة في سياسة الإدارة الأميركية، بأن يتوجه »الرئيس« إليهم مباشرة، وأن يخاطبهم بلغة غير مسبوقة ربما أراد منها أن يذكرهم بأن بعض جذوره »إسلامية«، وأنه يتفهم أو يريد أن يبذل جهداً لفهم مشكلاتهم التي نسب الكثير منها إلى تقصير أو سوء فهم أو سوء قصد لدى الإدارات السابقة… والعرب ضعفاء تجاه مثل هذه الإشارات، خصوصاً أنهم رهنوا كل أوراقهم لدى الإدارة الأميركية، ومن زمان، ثم لم يحصدوا إلا الخيبة، برغم كل التنازلات المجانية التي قدموها، وأحياناً قبل أن تطلب، وغالباً من دون أن تطلب.
الخطر في الأمر أن ينام القادة العرب على حرير هذه التصريحات التي تتضمن الكثير من النقد للإدارات السابقة، دون أن ينتبهوا إلى أن النقد يشمل »تبرعاتهم« السخية التي هدرت الكثير من حقوقهم وأضعفت مواقفهم بحيث ان الإدارة الجديدة قد لا تستطيع تعويضهم بمساعدتهم على »تحصيل« الحد الأدنى منها.
هل من الضروري التذكير بأن بعض القادة العرب ومعهم بعض أهل »السلطة« التي لا سلطة لها في بعض فلسطين، يحاولون أن يفرضوا على الشعب الفلسطيني في غزة ما لم تستطع إسرائيل أن تحققه بالحرب، بأن يقرروا المباشرة بالتهدئة والهدنة الطويلة، من قبل أن يرفع الحصار وتفتح معابر الحياة للمليون ونصف المليون من الفلسطينيين الذين يعيش عشرات الآلاف منهم في بيوت مهدمة، أو في خيام أقيمت فوق ركام بيوتهم التي هدمتها الغارات الإسرائيلية بالطائرات الأميركية وبالقنابل الفوسفورية… الأميركية أيضاً.
إن حديث الرئيس الأميركي يتضمن الكثير من الوعود، لكن أهم ما فيه صراحته واعترافه بصعوبة تحقيق المطلب الفلسطيني البديهي بأن تكون لهذا الشعب دولته فوق بعض البعض من حقوقه في أرضه. ومفهوم أن الحل ليس في »السلطة«، بل لقد دلت التجربة أن »السلطة« قد تكون تآمراً على حلم الدولة، أي دولة، يلغيها ولا يمهد لقيامها.
ثم إن التجربة قد أثبتت أن الصمود والمقاومة، بأشكالها كافة، هي وحدها التي تحمي الحق الفلسطيني… وأن بقاء كل فلسطيني على أرضه هو »لا« كبيرة في وجه الاحتلال الإسرائيلي..
مع التذكير دائماً بأن غزة ليست إلا جزءاً صغيراً، وصغيراً جداً

من فلسطين، إذ هي لا تشكل أكثر من واحد ونصف في المئة من مساحة هذه الجنة المفقودة، والتي يجاهد أهلها لاستعادة بعض البعض منها.
تبقى ملاحظة أخيرة: لكم تبدى الرئيس الأميركي الذي بالكاد استقر فوق مقعده في البيت الأبيض أرق مشاعر وأكثر تفهماً من ذلك الممثل للاتحاد الأوروبي (لوي ميشال) الذي وقف على أنقاض البيوت التي كانت عامرة في غزة ليتهم أهلها بالإرهاب، ويحمّلهم مسؤولية المقتلة التي نظمتها إسرائيل ضدهم بكل أسلحة ترسانتها العسكرية.
ومفهوم أن التفاوض تحت ضغط الحصار، وهو هنا مشترك، بمعنى أن له أطرافاً عدة بينها أكثر من طرف عربي، لا يمكن أن يكون مقبولاً، ولا يمكن أن ينتهي إلى نتيجة… ومؤكد أن الشعب الذي بذل كل تلك الدماء العزيزة في مقاومة الهجمة الإسرائيلية المتوحشة لن يرضى أن يضيِّع في السياسة ما حققه الصمود بالدم.
ومع الترحيب بالحديث الصريح للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، فإن الخوف أن يفترض القادة العرب أن كلماته الودية تغني عن التنفيذ، فيسلموه ما تبقى من أوراق قليلة بين أيديهم، ثم يعودوا إلى انتظار ما لا يأتي ألا بالعمل الجدي، والواضح لتحقيق الوعود التي طالما سمع العرب كثيراً مثلها من قبل، وإن كان التمني أن تكون جدية هذه المرة… فلا أحد يطلب الحرب للحرب، والعرب والفلسطينيون منهم، يحبون الحياة، هم أيضاً.
وفي انتظار ما سيتحقق من وعود باراك أوباما فإن الثبات عند الحقوق المشروعة هو أكثر ما يساعد هذا الرئيس الجديد على إنجاز التبديل المنشود في السياسة الأميركية تجاه العرب.

Exit mobile version