طلال سلمان

مرسي في بكين وطهران مصر ثورة ودورها مرتجى

أن تكون الصين واحدة من المحطات الأولى لتحرك الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي حدث مهم، لا سيما أنها تجيء في توقيتها قبل زيارته الأولى المرتقبة للولايات المتحدة الأميركية، والتي سيشارك خلالها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال النصف الثاني من أيلول المقبل.
في المبدأ: الحركة بركة، والانفتاح على العالم غير الأميركي توكيد لاستقلالية القرار الوطني، واستعادة لبعض ركائز النهج الذي اختطه القائد العظيم جمال عبد الناصر والذي جعل القاهرة عاصمة كونية وأهّلها لأن تكون صاحبة موقف لا يمكن تجاوزه في الشؤون العربية كافة، وصاحبة رأي يستحيل تجاهله في الشؤون الدولية عامة، ولا سيما ما يتصل بالعالم الثالث، وأساساً في أفريقيا ومن ثم في آسيا.
لقد طال زمن الأسر على مصر، وتسبّبت «العلاقات المميزة» مع الولايات المتحدة الأميركية، مشفوعة بموجبات صلح الإذعان مع العدو الإسرائيلي، الذي كان وما زال وسيبقى عدواً، بتضاؤل الدور المصري، حتى بلغ الأمر الإقدام على نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة، وشحوب وجودها وتأثيرها في الحياة السياسية في الوطن العربي مشرقاً ومغرباً… بل لقد هانت القيادة المصرية على نفسها حتى تجرأ عليها «الصغار» المستقوون بثرواتهم النفطية.
ولقد وصل الأمر بإسرائيل حد امتهان الكرامة الوطنية المصرية ففرضت عليها الاتفاقات الاقتصادية المذلة، إضافة إلى الشروط السياسية والعسكرية التي جعلتها دولة كبرى ولكنها عاجزة، ليس فقط نتيجة القيود السياسية وإنما أيضاً نتيجة هوان القيادة في مصر وتفريطها بأبسط مبادئ السيادة، ومعها المصالح الوطنية المصرية (اتفاقات النفط والغاز، اتفاق كويز.. فضلاً عن الأذل المتعمد بمنع الجيش المصري من أن يكون حراً في حركته فوق أرضه… والحوادث الأمنية الخطيرة التي وقعت مؤخراً في سيناء كشفت فضائحياً ما كان معروفاً من القيود التي تكاد تجعل مصر «مستعمرة» إسرائيلية..).
لقد اكتفى الرئيس المخلوع «بالشرفة الإسرائيلية» في شرم الشيخ، وترك سيناء التي وصفها صلاح الدين الأيوبي «بالترس» في أية مواجهة مع القوات الأجنبية الغازية، مشاعاً سائباً تخوض رماله عصابات التهريب الذي يشمل، في ما يشمل، الهاربين من أوطانهم الأفريقية والآسيوية إلى إسرائيل ليقاتلوا فيها ومنها «الإخوة العرب» في فلسطين وخارجها… ومصر ضمناً.
ليس العالم أميركياً، كما يصور باعة أوطانهم، وليست الهزيمة أمام إسرائيل قدراً. ولقد تأكد القادة الذين مارسوا قرارهم الوطني الحر، ومدوا أيديهم بالصداقة إلى شعوب العالم المتطلعة إلى الحرية مثلهم أن بالإمكان اعتماد سياسة «الخبز مع الكرامة»، وأن كثيراً من الدول في آسيا وأفريقيا تملك من القدرات ما يمكنها عبر التعاون في ما بينها أن تعيش بكرامة، وأن تنجز الكثير في الصناعة والزراعة، وحتى في مجالات التقدم العلمي الذي جعلته الاكتشافات الباهرة متاحاً أمام أصحاب الإرادة في النهوض ببلادهم، بعيداً عن إذلال الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة.
وإنها لصدفة خير من ميعاد أن تكون طهران محطة في طريق العودة من بكين إلى القاهرة… فمصر دولة مؤسسة، بل وقيادية لحركة عدم الانحياز. وقد أعطاها دورها المؤثر مساحة من الاحترام والنفوذ في معظم أرجاء العالم غير الخاضع للهيمنة الأميركية. ولا بأس من ترميم العلاقات مع إيران الثورة الإسلامية حتى لو أغضب ذلك إسرائيل أساساً ومعها الإدارة الأميركية (ولو إلى حين..) فمصر كانت ولا تزال مؤهلة لأن تلعب دوراً قيادياً في هذه المنطقة، بشرط أن تستجيب لموجباته، فلا يمنعها منه ضغط أميركي أو تهديد إسرائيلي أو ابتزاز بسلاح النفط العربي.
إن مصر مؤهلة لأن تكون قيادة لهذه الأمة العربية، وأحد مراكز القرار في كل ما يخص دول أفريقيا، وشريكة في المصالح والطموح لدول آسيا لا سيما الكبرى منها، مثل الصين، بل هي سبق لها أن مارست هذا الدور بنجاح، قبل نصف قرن.
ثم: ماذا يمنع مصر أن تقترب من دول «البريكس» وجميعها دول صديقة، تاريخياً، وسبق لها أن تبادلت التعاون والدعم معها في ساعات الشدة؟
إنها خطوة أولى على طريق طويل نحو استعادة حرية القرار الوطني.
وليس مقبولاً ـ بالمنطق الوطني المصري ـ أن تبقى مصر رهينة المحبسين: قرار الإذلال بالمعونة الضائعة التي تقدمها الولايات المتحدة بشروط مجحفة، والحصار الإسرائيلي الخانق بذريعة خوفها من نهضة مصر، ومن عودتها بالتالي إلى ميدان الصراع.
والشعوب العربية تتطلع إلى القاهرة آملة أن تباشر مهماتها الثقيلة التي لا بديل منها فيها، خصوصاً وقد أعادت إليها ثورة الميدان الروح، وبقي أن تنهض بواجبها حيال شعبها أولاً، وهو هو ما سيعيد إليها العرب ويعيدهم إليها، بكرامتها الوطنية غير مرتهنة وبدورها القيادي الذي لا يقبل النقاش.

Exit mobile version