طلال سلمان

مذبحة اسرائيلية في فلسطين مسوولية اميركية اذلال عرب

ليست مبالغة أو رغبة في التجني، أن تُعتبر الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الحالية هي المسؤولة مباشرة عن هذه المذبحة التي يرتكبها شارون في الأراضي الفلسطينية بقرار معلَن يؤكد فيه اعتماد »إرهاب الدولة« كسياسة رسمية.
إن أرييل شارون يقتدي ب»الأخ الأكبر«، ويقلده.
لقد أعلن، من قبل أن يباشر جورج بوش حربه، أن لكل من »الأخوين« الأكبر والأصغر ابن لادنه، مشبّهاً رئيس السلطة الفلسطينية بذلك الشريد الطريد المطلوب »للعدالة بلا حدود« الأميركية، ومُسقطاً ظلَّ أفغانستان وحكومة طالبان، المرفوضة عالميا، على فلسطين وشعبها وانتفاضتها التي لم تصل بعد إلى حد إعلان نفسها »حرب استقلال«.
حتى من قبل اغتيال الوزير العنصري ذي التاريخ الدموي الحافل، كان أرييل شارون يطلق إرهاب الدولة إلى مداه الأقصى، اغتيالاً بالصواريخ وقتلاً بالمدافع والعبوات الناسفة، وتدميراً للبيوت وإحراقاً للمواسم والأشجار والذكريات.
ومن قبل اغتيال الوزير الذي طالما كان مرؤوس شارون ومساعده في تنفيذ المجازر في فلسطين، كان الجيش الإسرائيلي قد أسقط »حدود« السلطة متجاوزاً كل حروف الأبجدية (أ، ب، ج، إلخ)، مقتحماً مختلفَ المناطق، ناشراً الموت في كل أنحاء هذه الأرض المغسولة بدمها.
ومن قبل اغتيال الوزير الذي انتقل من السباحة في دماء ضحاياه إلى الترويج للسياحة في الأرض المنتزَعة قهراً من أصحابها، كانت الإدارة الأميركية الجديدة قد جهرت برفضها التدخلَ مباشرة، لوقف السحق التدريجي للسلطة والقتل بل الاغتيال المنهجي للكادرات القيادية للشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة… وهي حتى هذه اللحظة ما زالت ترفض أن تلتقي ياسر عرفات برغم كل ما قدمه من رجاء وولاء ودماء…
إن الذرائع التي قدمتها وتقدمها الإدارة الأميركية لتبرير »عجزها« عن الضغط على شارون، قديمة جدا ومستهلكة، وهي تتراوح بين أن تكون مضحكة أو مهينة، وفي كل الحالات تدل على »احتقار« معلَن للعرب جميعاً وليس للفلسطينيين وحدهم.
إن الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع العرب باستهانة، بل بإذلال، ولا تقيم لهم وزناً ولا تحسب لهم حساباً حتى وهي في أمسّ الحاجة إلى »غطائهم« لتحالفها الدولي الذي يرتكب هذه الحرب الظالمة ضد شعب أفغانستان.
إن أرييل شارون »ينجز« في فلسطين، وعبر حربه على شعبها شبه الأعزل، وتدمير مدنه وقراه، ما يمكن اعتباره نموذجاً مصغراً لما »تنجزه« الولايات المتحدة بأساطيلها البحرية والبرية في تدميرها المنهجي للمدن والقرى الأفغانية، بالمستشفيات فيها ومحطات توليد الكهرباء ومحطات تكرير المياه، وهي محدودة العدد والطاقة.
وللحظة، يبدو وكأن القرار الأميركي بإبقاء إسرائيل خارج التحالف الدولي لم يكن »مجاملة« سمجة للعرب، بل لعله كان بقصد تمكينها من أن تظل طليقة اليد وحرة في قتل الفلسطينيين وتدمير »مؤسساتهم« المحدودة والفقيرة، بدءاً بمقار »السلطة« وانتهاءً بالورش البسيطة، فضلاً عن البيوت والأسواق التجارية.
إن شارون يؤكد للأميركيين نظريته »التاريخية« بأن العرب وهْم، مجرد وهْم.
… والأميركيون بموقفهم المزدري العربَ والمحقّر لكرامتهم والمستهين بادعاءاتهم حول وحدة المشاعر ووحدة الروابط ووحدة القضية… الخ، يجددون اعتمادهم إسرائيل كأداة تأديب للعرب على أرضهم، أخذا بنظريتها عنهم.
إن العرب حائرون في كيفية إعلان ولائهم للإدارة الأميركية، وفي الوسائل العملية لمساعدتها في حربها ضد »الإرهاب العالمي«، ولو من خارج »التحالف الدولي« الذي يقوده »النسر النبيل«.
ان العرب مسؤولون عن هذا الدم الفلسطيني الذي يُراق، بأكثر من مسؤولية الأميركيين بطبيعة الحال.
لقد تنازلوا عن الحد الأدنى من موقفهم الموحد أو الجامع، وانفضوا بالخوف أو بالرغبة في الخروج من جلودهم والانتساب إلى عالم يرفضهم من حول قضيتهم التي كانت رباطهم المقدس ذات يوم.
إن شارون يذبح فلسطين بسكين أميركية، وفي ظل ما يشبه التواطؤ العربي.
وإن لم يؤكد العرب أهمية دورهم وقدرتهم على التأثير سلباً وإيجاباً في مثل هذا الظرف الاستثنائي، فمتى إذاً يمكنهم أن يثبتوا حضورهم ولو كدول، وليس كأمة واحدة، وكأصحاب مصالح وليس كأصحاب عقيدة أو مبادئ، وكمتضررين مما يجري وليس كأشقاء يتعاطفون مع أهلهم المقتولين والمنثورة جثث نسائهم وأطفالهم ورجالهم فوق بطاح فلسطين… المقدسة!

Exit mobile version