طلال سلمان

مخزون سلاح العدو يتقلص بعدما دمّر غزّة   

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم الحادي والثمانين، يتجدد أمل كبير باقترابنا من الفرج وتحقيق النصر.

من رأى القصف الإسرائيلي وسمع شدته في قطاع غزة يظن أن مخزون قذائف الكيان هو نفسه مخزون قذائف الولايات المتحدة والدول الغربيّة، وأنه مخزون لا ينضب. ولكن لدينا مثل يقول إن “الجبل لو شلت منه كل يوم بمقدار معلقة سينتهي”. وهذا ما تخشاه إسرائيل وقادة الجيش الإسرائيلي.

يُكتب أن القذائف التي استخدمها جيش العدو في غزة يفوق عددها ما استخدمته جيوش الحلفاء ضد مدن ألمانية، محدثا الدمار في مدّة أقصر، وبأن حجم الدمار يفوق حجم ما دمرته الطائرات الأميركية في كل من أفغانستان والعراق طوال سنوات. وتنشر الصحافة الدولية بصورة شبه يومية صورا جوية تثبت ذلك.

وفي حرب العام 1973، احتاجت إسرائيل إلى جسر جوي أميركي اعتبر الأعظم في حينها. ولكن هدف ذلك الجسر كان تأمين ذخائر وأسلحة لإسرائيل في حربها ضد أقوى دولتين عربيتين وقتها، ولم يتجاوز عدد طائرات الشحن فيه المئة طائرة. أمّا الجسر الجوي الأميركي المستمر لإسرائيل حاليا، فقد وصل، إلى ما قبل أكثر من أسبوع، إلى 230 طائرة، بالإضافة إلى عشرات السفن التي تحمل آلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر. ولم تكن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي أرسلت الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل في هذه الحرب. فطائرات عسكرية وصلت إليها من دول عدة وخصوصا من بريطانيا وألمانيا. والمخفي أعظم!

وذكرت “القناة 12” التلفزيونية الإسرائيلية أنه منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، وصل إلى إسرائيل من الولايات المتحدة عشرة آلاف طن من الأسلحة والمعدات القتالية، عبر 244 طائرة نقل و20 سفينة. وتعمل خطوط الإنتاج في الصناعات الدفاعية في إسرائيل على مدار الساعة لتسليح الجيش الإسرائيلي في كافة القطاعات. بالإضافة إلى ذلك، قامت وزارة الدفاع بشراء أسلحة بما يقارب أربعين مليار شيكل.

وخلال الأسابيع الأولى من العدوان على غزّة، كان الحديث يدور عن قنابل أُسقطت على غزة تعادل القنبلة النووية على هيروشيما، ثم عما يعادل قنبلتين نوويتين، وبعدها، ولأنه لم تلق في العالم إلّا هاتين القنبلتين، توقفت المقارنة مع القنابل النووية.

وصار الحديث يتمحور حول إسقاط قنابل على غزة زنتها عشرات آلاف الأطنان من المواد المتفجرة. ومؤخرا، صارت إسرائيل تتباهي بصور التفجيرات المتزامنة الملقاة على أحياء بكاملها في مدينة غزة وفي بيت حانون وبيت لاهيا، وكل ذاك بحجة تدمير الأنفاق. وتنشر إسرائيل أحيانا أخبارا عن كمية الأطنان التي استخدمتها في هذه التفجيرات.

ومن البديهي أن كل هذا التدمير والقتل المصاحب له لآلاف الشهداء من المدنيين، خصوصا الأطفال والنساء، بالإضافة إلى صور التدمير، هو فعل مقصود. ولا يخفي الإسرائيليون رغبتهم في “إفهام” الفلسطينيين أن ردهم على كل مساس بهم هو الجحيم. ولكن رسالتهم هذه ليست موجهة للفلسطينيين فحسب، بل هي موجهة أيضا لكل من يعادي إسرائيل ولكل من يصادقها. فهي تريد لمن يعاديها أن يعلم أن لا سبيل لهم سوى الخضوع، وتحذّر من يصادقها من مغبة نسيان قدرتها على إحراقهم.

لكن كما سبق وأشرت، يأتي ذلك وفق مبادئ الحياة بأنّ لكل بداية نهاية، ولا بدّ لكل بئر أن ينضب طالما أنك تشرب منه.

تعاني إسرائيل حاليا من مشكلة في كمية الذخائر والسلاح، وتجد نفسها في وضع يزداد صعوبة إذ أن قدرات الإنتاج الأميركية للذخائر في الوضع الراهن لا تلبي الحاجات المتزايدة للعدو.

والولايات المتحدة وأوروبا، ولو بالوكالة، هي في حرب مستمرة في أوروبا، وبالتالي تريد الدول كلّها تخزين السلاح لوقت الشدة في حال تطورت الأمور على جبهة أوكرانيا.

وقد اضطرّت الولايات المتّحدة لسحب أسلحة وذخائر من أوكراينا لصالح إسرائيل. كما أن مخزون الذخائر الأميركية الإستراتيجية في إسرائيل وفي العديد من دول العالم قد شارف على الانتهاء. وإسرائيل تلح على الولايات المتّحدة لكي توفّر لها المزيد.

وهنا تكمن المشكلة. صارت واشنطن محتارة بين تزويد إسرائيل بالذخائر والسلاح أم ملء مخازنها هي تحسبا لصدام او صدامات محتملة في المنطقة أو خارجها.

“وأول الرقص حجلان”. فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أمس أن واشنطن رفضت طلبا إسرائيليا بتزويدها بمروحيات “أباتشي” جديدة. كما أن صحفا إسرائيلية أخرى تحدثت عن تلكؤ أميركي في تزويد إسرائيل بمزيد من شحنات القذائف.

إلّا أن وزير الحرب غالانت أعلن أنه لا صحة للأنباء عن رفض واشنطن تزويد إسرائيل بالقذائف. لكن من المتوقع وصول وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية رون دريمر إلى واشنطن اليوم للبحث في تأخر وصول شحنات القذائف لإسرائيل.

وبحسب ما نشر في الكيان، فإن الجيش الإسرائيلي شرع بتنفيذ خطة توفير في استخدام القذائف تحسبا لاحتمال توسيع الحرب في لبنان.

وفي ما يلي، بعض مما ذكرته “يديعوت أحرنوت” في مقالة لمراسلها العسكري:

“هل سمعت عن الاقتصاد في السلاح؟ هذه هي الدراما التي ستكون في مجلس الوزراء”.

أكد اللواء إليعازر توليدانو أمس لوزراء الحكومة أن سلاح الجو بات بالفعل يهاجم بشكل أقل في قطاع غزة: “هذه حرب ستستمر لفترة طويلة. سيتعين علينا إدارة اقتصاد الأسلحة، لكن الهدف هو القضاء على “حماس” في النهاية”.

وفي الأيام الأخيرة، ترددت ادعاءات من مختلف الأطراف في النظام السياسي والشعبي بأن سلاح الجو يمتنع حاليا عن العمل بكامل طاقته في قطاع غزة لاعتبارات سياسية. وأكد اللواء إليعيزر توليدانو لوزراء الحكومة أمس أن سلاح الجو يهاجم بشكل أقل في قطاع غزة، لكنه قال إن أسباب ذلك عملياتية بالكامل، وادعى أنه لا يوجد حد لاستخدام القوة. وقال للوزراء: “لا يوجد جيش لا نهاية له في العالم، لكن الاعتبار الذي يوجّهنا هو الاعتبار العملياتي. هذه حرب ستستمر لفترة طويلة. سيتعين علينا إدارة اقتصاد الأسلحة”. “لكن الهدف هو القضاء على حماس في النهاية. نحن لا نحتفظ بالذخيرة في عمليات المناورة ونقوم بكل ما هو ضروري لحماية جنودنا”.

المعضلة التي تواجه إسرائيل الآن ليست إذا كان ينبغي تفعيل القوات الجوية، بل إذا كان من الصواب الاستمرار في الوصول فعليًا إلى كل منزل وكل موقع في قطاع غزة، عندما يكون ذلك واضحا في حرب العصابات الصعبة التي تتطور في غزة. في قطاع غزة، يبحث مقاتلو حماس عن احتكاك وثيق مع مقاتلي جيش الدفاع الإسرائيلي ويحاولون ملاحقتهم. ومن ناحية أخرى، فقد ثبت بالفعل أنه من غير الممكن تحديد الأنفاق الإرهابية وتدميرها مثل تلك التي تم اكتشافها في جباليا أو في وسط غزة، من دون وجود قدرة على الذهاب إلى المنطقة.

لقد أسقطت القوات الجوية حتى الآن أكثر من 30 ألف قذيفة على قطاع غزة، وهو عدد ضخم بكل المقاييس. إن إدارة اقتصاد التسلح جزء لا يتجزأ من أي حرب، وربما يكون هذا صحيحاً بشكل خاص في حرب طويلة مثل تلك التي تخوضها إسرائيل الآن في غزة، وربما تخوضها في الشمال أيضاً. ويحرص النظام الأمني ​​على التأكيد على أن الاعتبارات العملياتية في الوضع الحالي للحرب معقدة للغاية. كما يستخلص الجيش الإسرائيلي استنتاجات من الجولات السابقة في القطاع حيث لم يحقق استخدام القوة الجوية النتائج المرجوة ضد أنفاق حماس.

Exit mobile version