طلال سلمان

مخترعو <الهلال شيعي> يقاتلون <الهلال فلسطيني> ايضا

… وكان لا بد من ضربة قاضية لمشروع التغيير الذي سقط على كتفي حماس من قبل أن تكون قد استعدت له الاستعداد الكافي، إذ وقعت الحكومة على كتفيها كعبء إضافي ثقيل، في لحظة غير مناسبة، لا سياسياً ولا دبلوماسياً ولا اقتصادياً ومن ثم إدارياً على وجه الخصوص.
كان عليها، بداية، أن تواجه حرباً من السلطة القائمة بالأمر، والتي كان بوسعها أن تفشل الإدارة، المرتبكة والفاسدة أصلاً، وأن تحرّض قوى الأمن العديدة أجهزتها والتي تعاني من فقدان الرأس الجامع منذ اغتيال ياسر عرفات، مهندسها ورئيس الرئاسات المصطرعة جميعاً، وصاحب التواقيع الستة باستخداماتها المختلفة وحسب مقتضى الحال..
ثم كان عليها أن تواجه الحرب الإسرائيلية المفتوحة باتساع العالم، باعتبارها التجسيد المباشر لقرار أميركي يمكن لضغوطه التي لا تقاوم أن تمنع الاعتراف الأوروبي بحكومة شرعية منبثقة عن مجلس تشريعي منتخب ديموقراطياً، وفق المواصفات الأميركية، وتحت رقابة شهود عدل أميركيين وأوروبيين…
وهكذا بدلاً من الاعتراف جاء القرار بما هو أقسى من الحصار: وقف كل المساعدات المقرّرة والتي كانت تقدمها بعض المؤسسات الدولية كهبات أو كتعويضات ضمنية عن مصادرة الأرض الفلسطينية، وكمكافآت على وقف العمليات الفدائية، وكأمصال تكفل للسلطة أن تبقى على قيد الحياة، ولكن عاجزة عن إطعام شعبها فكيف بتحقيق الحد الأدنى من مطالبه السياسية حتى لو كانت صادرة عن قمم دولية، وممهورة بتواقيع عظماء الكون وفي الطليعة منهم الرئيس الأميركي الذي لا ينطق عن الهوى بل نتيجة هاتفه المفتوح دائماً مع الله، سبحانه وتعالى؟!
في البدء تمّ التلويح بالحرب الأهلية عبر امتناع أجهزة السلطة عن تنفيذ قرارات الحكومة، مما تسبّب بخلق فوضى سلاح تنذر باقتتال أهلي تغذيه الاعتداءات الإسرائيلية اليومية اغتيالاً وحصاراً للمدن واقتحاماً للمخيمات وقتلاً بالجملة، لا فرق بين شيخ وصبايا الورد، وإقفالاً للقدس (العربية) على مواطنيها العرب بحدود دولية.
كان متعذراً على الحكومة المنتخبة ديموقراطياً، ولو للصورة التذكارية، وشهد العالم سابقة هي الأولى من نوعها: وزراء يقسمون اليمين الدستورية أمام رئيس لا يراهم ولا يرونه مباشرة، إلا عبر الفيديو كونفرانس..
ثم إنه كان ممنوعاً على الوزراء أبناء الضفة أن يجيئوا إلى غزة، وعلى أبناء غزة من الوزراء أن يتحركوا في اتجاه الضفة..
بعد ذلك بدأ الحصار من الخارج..
ولأن القاهرة أكبر من أن تخاصم علناً حكومة فلسطينية تمثل أكثرية المجلس التشريعي المنتخب ديموقراطياً، فهي قد اكتفت بالاعتذار عن عدم استقبال وزير الخارجية الفلسطيني لضيق وقت المسؤولين حسب البيان الرسمي، ولضيق صدورهم بهذه الورطة التي جاءتهم من حيث لم يكونوا يتوقعون فأوقعتهم في حيص بيص: إن هم استقبلوه كان ذلك اعترافاً بحكومة إرهابية فنالوا عقاباً رهيباً من طرف الإدارة الأميركية، وفرضت عليهم إسرائيل حتى وهي بلا حكومة قائمة بالأمر ما لا يستطيعون تحمّله من الضغوط بل ومن العقوبات أيضاً..
ولأن الجامعة العربية لا تستطيع أن ترفض استقبال أي ممثل رسمي لبلاده، فلقد كان على أمينها العام أن يستقبل الوزير التائه في قلب المجاملات الفارغة من المعنى، وأن يطرح الصوت على المواطنين العرب ليتبرعوا لهذه الحكومة المنكورة عليها شرعيتها لعلهم يعوّضون ولو رمزياً عن التقصير الفاضح لحكوماتهم التي تملك من الشرعية أقل بما لا يقاس من حكومة حماس .
من للهجوم المباشر الصاعق، سوى العرش المدخَّر دائماً للأدوار القذرة؟!
وهكذا تصدى النظام الأردني للمهمة القذرة بلا وجل: رتّب الأسلحة المصادَرة، وحدّد مصدرها، وافترض أن ثمة مشروع فتنة تدبرها حماس في المملكة التي أقيمت على أنقاض فلسطين… ثم كان لا بد من تدبير شريك قوي له مصلحة في هزّ استقرار النظام المنيع، فإذا هي سوريا!!..
هي الحرب إذاً، لا على حماس وحدها، بل على من اعتبر نفسه منتصراً بانتصار إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار حماس لحكومته..
هي الحرب على من ادّعى أن انتصار حماس يفتح جبهة المقاومة للاحتلال الأميركي الإسرائيلي للمنطقة من غزة إلى طهران!
إن الأردن يخوض الحرب مع الاحتلال الأميركي ضد شعب العراق بالتواطؤ والاستخبارات وقواعد الدعم الخلفية، وتصدير التكفيريين الذين يمنعون قيام مقاومة موحدة للاحتلال، وينشرون مناخ الفتنة بين العراقيين خدمة للاحتلال ولحسابه..
.. وها قد جاءت الفرصة الذهبية للنظام الملكي الذي كان أول من تجرّأ فدعا إلى الفتنة عبر حديثه عن الهلال الشيعي ، لكي يبرهن أنه جاهز أيضاً للقتال ضد أي هلال سني إذا هو كان في موقع العداء للمشروع الأميركي الإسرائيلي باحتلال الإرادة العربية.
إنها حرب الأهلّة في كامل الهلال الخصيب.
.. وسيكون هذا الهلال بعد اليوم أحمر قانياً كدماء العراقيين والفلسطينيين وكل من يقف إلى جانبهم في مقاومة الاحتلال، أميركياً كان أم إسرائيلياً، وكلاهما واحد.

Exit mobile version