طلال سلمان

مخاطبة عربية من لبنان الى قمة اسلامية في مكة

يتوجه اللبنانيون إلى القمة الإسلامية التي تباشر أعمالها اليوم في مكة المكرمة، بشيء من الأمل في أن تحظى »قضيتهم« بما تستحق من الاهتمام، مع وعيهم بخطورة جدول أعمالها الحافل والذي يتصدره »الإرهاب« بما هو الشغل الشاغل لهذه الدول المتهمة بتصديره إلى العالم بينما العديد منها وبينها الدولة المضيفة على رأس قائمة ضحاياه، بل هي ضحيته مرتين إذا ما استذكرنا التفجيرات المتكررة التي شهدتها المملكة التي يتصدر علمها الشعار الإسلامي صريحاً كالسيف.
فلبنان الضعيف أصلاً يعيش حالة من الاضطراب الداخلي تنذر بتداعيات مأساوية إن لم يساعده أهله الأقربون على استعادة توازنه النفسي واطمئنانه إلى حاضره ومستقبله.
لقد ضرب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لبنان في الصميم، فافتقد شعبه الشعور بالأمان، خصوصاً وقد أعقب الجريمة اختلال مريع في العلاقات مع سوريا التي كانت حظيت قبل ثلاثين سنة بتفويض عربي إسلامي دولي شامل عن رعاية عودته إلى ذاته واستعادة استقراره بتوطيد دعائم وحدته الوطنية.
وهكذا فإن لبنان الذي خسر رجله العربي الدولي الكبير، وهو من يحفظ له المجتمعون في مكة اليوم تقديراً غالياً، وكانت تربطه بالعديد منهم صداقات حميمة، يتطلع إلى هذه القمة التي تحتضن ضمناً معظم القادة العرب، آملاً أن تساعده في استعادة توازنه الوطني عبر معرفة »الحقيقة« حول الجريمة التي صدعت أركان استقراره، وبينها بالضرورة علاقات الأخوة مع سوريا ما بعد الخروج من لبنان.
إن رفيق الحريري هو فقيد الجميع. مقعده فارغ، ودوره مفتقد. ولا بد أن غيابه يظلل هذا الجمع بالحزن وبالشعور بالمسؤولية والإصرار على كشف الحقيقة، حتى لا تظل الجريمة تسد الطريق إلى الاستقرار وإلى اطمئنان اللبنانيين إلى غدهم في وطنهم الصغير المهدد الآن في وحدته نتيجة الاضطراب الشامل الذي جعل الطوائف هي المرجعيات بديلاً من الوطنية والعروبة، وجعل »الأجنبي« هو الضمانة وقد كان دائماً مصدر الخطر.
* * *
إن القمة الإسلامية تستبطن قمة عربية، ومفتاح النجاح هو في وحدة الموقف العربي من المسائل المطروحة، وأخطرها »الإرهاب«. ومن واجب هذه القمة (المزدوجة) ليس فقط أن ترد التهمة عن العرب والمسلمين، حتى لو كان ثمة جماعات منهم اعتمدت هذا الأسلوب المدمر للذات قبل »العدو«، بل بأن توجه أصابع الاتهام إلى سياسات الدول العظمى، وأولها الولايات المتحدة الأميركية التي استولدت الإرهاب ورعته لتقاتل به عدوها الشيوعي، مفترضة أنه بعدما ينجز مهمته سيذهب إلى التقاعد، فإذا به يرتد إليها.
ثم هناك الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بكل وحشيته التي سدت طرق التسوية المهينة التي قبل بها الفلسطينيون مكرهين، ثم تنصل منها عدوهم فواصل عمليات القتل المنهجي المبرمج، بصواريخ الطائرات ومدافع الدبابات وبنادق الجنود، كما واصل مصادرة الأراضي لاستكمال جدار الفصل العنصري وإقامة المزيد من المستعمرات للمستقدمين من أربع رياح الأرض، على حساب شعبها المشرد نصفه والمهدد نصفه الثاني بالتشرد، في المدى المنظور.
… وها هو العدو الإسرائيلي يكاد يستكمل مصادرة القدس العربية، جميعاً، بمحيطها وأحيائها، عبر تشطير المشطّر منها بجدار الفصل العنصري وطرد أهاليها وتشريدهم بعيداً عنها، وتهويد جنباتها، بحيث يصير »العرب« في القدس المهودة أقلية لا تستحق أن تقسم من أجلها المدينة المقدسة، ومن كابر فرفض طرد شر طردة.
أليس باسم القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين قامت منظمة المؤتمر الإسلامي ومن خلالها انبثقت القمة الإسلامية، والتي تبدت لفترة أنها ستكون بديلاً من العروبة والجامعة العربية ومؤسساتها؟!
ويبقى العراق القضية الأخطر بتفجراتها الدموية المرعبة المنذرة بفتنة أمر وأدهى من »الفتنة الكبرى« التي شهدها فجر الإسلام والتي ما تزال تصدع صفوف المسلمين حتى اليوم…
إن هذه الفتنة الجديدة »مصنوعة« وليست قدرية، وهي مولودة شرعية للاحتلال الأميركي وللجماعات الإرهابية التي استولدتها بالأصل استراتيجية مواجهة الخطر الشيوعي… فابن لادن والظواهري وصولاً إلى الزرقاوي هم من مستولدي المخابرات المركزية الأميركية والتهويل على بعض الأنظمة الإسلامية بوهم المد الإلحادي القادم من أفغانستان، بعد إرهابها بالخطر الشيعي القادم من إيران الثورة الإسلامية.
ها هم الجميع يدفعون كلفة الخطأ في تحديد »العدو«… فالقضاء على الفقر وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين وتمكينهم من حقوقهم، كل ذلك معاً يشكل مصدر الحماية، وليست قواعد الجيوش الأجنبية أو المخابرات المركزية… لكن ذلك حديث آخر.
* * *
لقد ذهبت دول عربية إلى الإسلام هرباً من العروبة، فبرّرت لجماعات متطرفة أن ترفع شعار »الإسلام هو الحل«، وأن تقاتل به الأنظمة التي شجعتها إلى حين تنبهت إلى خطرها الذي لا يمكن أن تقاس به مخاطر العروبة التي فشلت الأنظمة التي رفعت شعارها في أن تقدم الحلول المطلوبة.
وتقضي الصراحة بالاعتراف بأن من حكم باسم العروبة قد استنزفها حتى صارت تهمة، خصوصاً وقد تعارضت تلك الأنظمة رافعة الشعار القومي إلى حد التصادم بالسلاح.
لكن هذا الفشل ليس بالضرورة شهادة نجاح للشعار الإسلامي الذي استخدم ضد العروبة وما زال حتى كاد كل منهما يدمر الآخر…
وها نحن نشهد في العراق بعض وجوه كارثة التصادم بين العروبة والإسلام، وهي كارثة تتهدد العالمين العربي والإسلامي في حاضرهما ومستقبلهما، وتمكن لعودة الاحتلال الأجنبي إلى كامل الديار العربية والإسلامية التي بالكاد استقلت.
هل ستتنبه القمة العربية التي تستبطنها القمة الإسلامية فتفيد من هذه المناسبة المهمة لكي تجري شيئاً من المراجعة الذاتية والمحاسبة، لتخرج منها بمشروع خطة لوقف الانهيار، والتكاتف لمنع انتشار نار الفتنة على مدى العالم الإسلامي؟
هل ستنجح هذه القمة العربية في الاستعانة بالمسلمين عموماً لوقف الكارثة في العراق، وذلك بإعادة الاعتبار إلى قضيته الوطنية ونصرة شعبه، عبر توحيد الموقف من الاحتلال الأميركي، بدلاً من ترك هذا الاحتلال يخادع ويناور ويحرّض العراقي ضد العراقي لينشغل الكل عنه بالفتنة التي تقدم خدمة عظمى لا يستطيع إنجازها بسلاحه مهما بلغ من قدرة على التدمير؟!
… مع الإشارة إلى أن نار الفتنة بدأت تطل برأسها في أكثر من دولة إسلامية!
* * *
إنها قمة تجيء في توقيتها الصحيح،
وهي تعكس شجاعة عند الداعي إليها ومضيفها الملك عبد الله بن عبد العزيز، فنجاحها يفتح باب النجاة أمام الجميع، أما فشلها فليس أقل من كارثة بكل المعايير، مهما جاء بيانها الختامي فخم العبارة متخماً بالدعوات الصالحات مشفوعة بإحالة الأمر إلى صاحب الأمر، جل جلاله.
هل يكون العرب عرباً والمسلمون مسلمين، وهل يتحدون في مواجهة خطر الكارثة التي تتهددهم جميعاً؟!
الكل يتمنى النجاح للقمة، لكن قرار النجاح في أيدي المشاركين فيها، الأكبر فالأكبر، فعساهم ينتبهون فيفوزوا فوزاً عظيماً.. والله ولي التوفيق.

Exit mobile version