طلال سلمان

محمد هاني عباس

دخلنا البيت الذي لم يعوض احتشاد المعزين فيه غياب الفتى الذي لن يعود من غربته.
كان الأب عند الزاوية تماما؛ ينفث دخان لفافة لا تنطفئ؛ يستقبل صامتا ويودع صامتا ثم يعود الى الجلوس في قلب الخرس الأسود؛ وعيناه تنتقلان بين وجوه الذين جاؤوا يشاركونه ألمه لعلهم يخففون عنه؛ ثم تستقران فوق الباب: لعله ما زال يأمل أن يندفع منه فجأة هذا الذي لا يصدق غيابه!
جلسنا متواجهين في قلب الصمت؛ تاركين للآيات البينات أن تتحدث بالنيابة عنا مؤكدة أن الموت حق… أي موت وكل موت؛ لا فرق بين زين الشباب وحكيم القوم وعميدهم: كل من عليها فان؛ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
هو القدر؛ الظالم أحيانا؛ الغادر أحيانا؛ ينقض عليك بضربة لم تحسب لها حسابا ولم تتحسب لها؛ ولا ينفع اعتراضك؛ ولا يخفف من وقعها احتجاجك؛ بل لعل الغضب يزيد من ألم الفجيعة معززا بالعجز عن ردها.
بغير تقصد أو سابق تخطيط دخل أحمد الزين (المحامي) معزيا؛ وكان أقرب المقاعد الى اللواء الركن هاني عباس قد خلا من شاغله؛ فتجاور الأبوان المكلومان بوحيديهما الشابين… واكتمل مشهد المأساة.
لكل مصابه… لكن الإحساس بأن القدر أعمى يضرب بعشوائية؛ يخفف من وطأة الألم: كلنا لها؛ ولا تعرف نفس بأي أرض تموت؛ ومن جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون.
رحم الله محمد هاني عباس: زين الشباب الذي لم يمتع بالشباب.
وعوض الله أهله في »الحفيد« الذي سيجيء برغم غياب أبيه.
الحزن يمكن أن يكون؛ أيضا؛ أبا وأما.

Exit mobile version