طلال سلمان

محاولة لمناقشة مفجرين شعار اسلامي

على امتداد أيام العزاء الطويلة والمثقلة بمشاعر يختلط فيها الحزن باليأس والوجع بالضعف الإنساني النبيل، كانت تدوي في أفق منزل تلك الأسرة الطيبة التي فقدت معقد أملها، في تفجيرات 12 أيار في الرياض، أسئلة تتجاوز الألم الشخصي لتطرح قضايا جدية ستظل معلقة في فضاء الفراغ السياسي بغير أجوبة مقنعة لوقت قد يطول.
؟ بين تلك الأسئلة على سبيل المثال:
.. ولكننا عرب أقحاح، ومسلمون مؤمنون، فكيف نُقتل في حرب تتخذ من »طرد الكفّار من دار الإسلام« شعاراً؟! لكأن المخططين والمنفذين لتلك التفجيرات قد قتلونا مرتين! من قال إننا مع الأميركيين كقوة احتلال لديارنا؟! من قال إننا نقبل بهيمنتهم على مقدراتنا ومصادرتهم قرارنا السياسي، أو أننا نرتضي أن يكونوا رسل الحضارة الآتين لتعليمنا الديموقراطية؟!
؟ وبين تلك الأسئلة على سبيل المثال:
.. نفهم أن يكون الأميركيون، كقوة إمبريالية، غير معنيين برأينا أو بموقفنا، وأن يصادروا حقنا في بلادنا، وأن يتصرفوا بالغطرسة التي بلغت الذروة في عدوانهم على العراق، فتجاوزوا الشرعية الدولية، وأهانوا حلفاءهم الأقربين، وأساؤوا إساءات بالغة إلى »أصدقائهم التاريخيين« بين الحكام العرب (والمسلمين) فتجاهلوهم بل واحتقروهم أيما احتقار، وأحرجوهم أمام شعوبهم إذ أظهروهم وكأنهم مجرد »قوة أمنية« تنحصر مهمتها في قمع أي اعتراض في الداخل، فإذا ما جدّ الجد أعفوهم حتى من هذه المهمة القذرة، وأظهروهم وكأنهم مصدر القمع وعلة التخلف، ولم يتورعوا عن التحريض عليهم بذريعة أنهم العقبة في وجه التقدم في اتجاه الرخاء والديموقراطية!
..ولكن ماذا عن أولئك الرافعين للشعار الإسلامي الذين يعتبرون أن مطاردة الأميركيين بالقتل، لا فرق بين مدني وعسكري، تندرج في خانة »الجهاد«… لماذا يوحّدون بيننا وبين من يجاهدونهم؟! لماذا يتجاهلون إيماننا، ويقفزون من فوق مشاعرنا، أو أنهم يحكمون علينا غيابياً، وبغير أن يستمعوا إلينا أو يعرفوا حقيقة موقفنا منهم بالذات؟! لربما كنا متعاطفين مع الشعار الذي يرفعون والقضية التي من أجلها يقاتلون، بل ويفجرون أنفسهم تقريباً لموعدهم مع الشهداء الأبرار في الدار الآخرة؟!
؟ وبين تلك الأسئلة، على سبيل المثال:
… إننا نحترم الروح الجهادية عند هؤلاء الفتية الذين يضحون بأنفسهم رخيصة من أجل تحرير دار الإيمان من الكفرة. ولكن أليس من حقنا أن نناقشهم في أهدافهم، مثلاً؟! وإذا سلمنا جدلاً بأن من حقهم أن يظلوا خارج دائرة النور، فلا تعرف قياداتهم، ولا تعرف مقراتهم، ولا تعرف خططهم الميدانية، فماذا عن برنامجهم السياسي الذي يفترض أن يشكل مركز استقطاب الجمهور إلى تأييدهم، بوعي كامل لمشروعهم الذي لا يمكن تلخيصه بقتل الكفرة، أو حتى بإعادة الحاكم الظالم إلى جادة الصواب برده عن ظلمه وإلى إنصاف »رعيته« المقهورة بطغيانه.
نفهم أن يموّه الأميركيون هدفهم الاستعماري بشعارات برّاقة كالديموقراطية وحقوق الإنسان لا تصمد لحظة واحدة أمام أي امتحان جدي، بل ولا يبدو أنهم معنيون بحسن تسويقها لإقناع الناس بها، لأن الناس هؤلاء مجرد ضحايا، مجرد أعداد، لا يملكون قرارهم حتى يكون لهم رأي..
أما »الإخوة في الإيمان« فهم أصحاب قضية، وقضيتهم تخص الناس، ناسهم، والناس هم العامل الحاسم في نصرة هذه القضية أو في خذلانها لا سمح الله… فأين الناس من قضية محجوبة عنهم، إلا بعناوينها العامة وهي أقرب الى الإطلاق، لا تحددها إلا مجموعة من المقولات المبهمة الدلالة والقابلة لألف تأويل وتأويل..
؟ وبين تلك الأسئلة، على سبيل المثال:
.. لقد عرفنا في بلادنا العربية حركات إسلامية عديدة، كما ظهرت حركات تكاد تكون بلا حصر في البلاد الإسلامية (غير العربية) ترفع الشعار الإسلامي… فأي إسلام هو هذا الذي تبذل الدماء في سبيله، دماء طالبي الشهادة ودماء المقتولين ظلما، كما بين ضحايا تفجيرات الرياض، أو بين ضحايا تفجيرات الدار البيضاء؟!
إن الامبريالية الأميركية، كقوة هيمنة أجنبية، واحدة بأهدافها وحتى بأدواتها، ولو تعدد الناطقون باسمها وتفاوتت لهجتهم فاتخذت طابع الشدة غالبا وطابع اللين في أحيان أخرى.
لكن رافعي الشعار الإسلامي ليسوا جهة واحدة، وليسوا جبهة، ليسوا حزبا، وليسوا ائتلافا… وحتى إذا ما افترضنا أن النبع واحد، إلا أن الممارسات العملية تختلف من بلد إلى آخر فتحدث مساحة افتراق بين »الجماعات« المختلفة بحيث تستحيل نسبتها جميعا إلى مصدرها الفكري الأصلي (الجزائر، مثلا).
لا بل اننا نشهد في بعض الساحات تصادما بين »جماعة« إسلامية وأخرى، وبالسلاح أحيانا، بحيث تزداد صعوبة التفريق بينهما، ومن منهما الأصح التزاما من الأخرى؟ وأين وقع الغلط؟ ومن الذي أخطأ في الاجتهاد أو في الممارسة فخرج على الجماعة؟!
وفي كل الحالات لا تبدو هذه الجماعات معنية بتوضيح الأمر لعامة العرب والمسلمين.
؟ وبين تلك الأسئلة، على سبيل المثال:
.. قد نتفق في تقييمنا العام للأنظمة العربية القائمة، مع رافعي شعار الإسلام السياسي، فنرى فيها أنظمة متخلفة، معادية للديموقراطية، مستقوية على شعوبها متهالكة أمام الامبريالية الأميركية إلى حد رهن البلاد لمصالحها.
وقد نكون مسلّمين بضرورة إسقاط هذه الأنظمة التي لم تنتبه إلى مدى اتساع المسافة بينها وبين شعوبها التي كانت في نظرها رعية عليها إطاعة ولي الأمر وإلا عاملها وكأنها قد خرجت على إرادة الله سبحانه وتعالى.
لكن إسقاطها يوجب أول ما يوجب إقامة جبهة عريضة بين كل الطامحين إلى التغيير، طلباً للعدل والمساواة والكرامة وسائر حقوق الإنسان في وطنه.
و»الجبهة« هي خلاصة عمل سياسي دؤوب يستقطب الجمهور إلى رؤية مشتركة توحّد بين قواه المختلفة في طروحاتها السياسية المتفقة على هدف التغيير وتصور المستقبل، بحيث تستطيع ان تواجه كل المشكلات الجدية التي يطرحها تسلم الحكم في بلاد فرض عليها ان تعيش دهوراً من القهر، وفي ظروف من الضعف العربي، بل الهوان العربي والتجبّر الإسرائيلي العاتي، تحت الظل العالي للهيمنة الأميركية شبه المطلقة على القرار الكوني.
وها هي التجربة في فلسطين غنية بالدروس والعِبر، ويجب ان نتعلم منها كيف نواجه الاحتلال وبالشعار الإسلامي غالباً متجاوزين خطر الانزلاق إلى حرب أهلية، حتى هذه اللحظة. ومن الضروري التشديد على تعبير »هذه اللحظة« لأن الضغط العسكري للاحتلال الإسرائيلي مع »سراب« التسوية التي تطلقها الإدارة الأميركية تحت عنوان »خريطة الطريق« قد يغري بعض متعجلي الوصول إلى السلطة، ولو في بلاد خربة وعلى هرم من الضحايا، فيتورطون في »اقتتال« مع »الأخوة المجاهدين« قد يتطور إلى حرب أهلية تريح المحتل الإسرائيلي والمهيمن الأميركي وتضيع معها فلسطين، أو ما تبقى منها.
كذلك فإن التجربة العراقية، بعد العدوان الأميركي الذي أدى إلى احتلال أرض الرافدين، هائلة الغنى بالدروس والعبر… ولقد تعرّفنا خلالها إلى أنماط مختلفة من حملة الشعار الإسلامي، حتى بات خوفنا من الفتنة أعظم من آمالنا بولادة حركة مقاومة مؤهلة لحماية وحدة العراق، وحماية هويته الوطنية العربية الإسلامية، بينما كان التوقع وما زال قائماً ان يجمع الشعار الصحيح كل الوطنيين والقوميين والتقدميين إلى جانب حملة الشعار الإسلامي في جبهة واحدة موحدة، تتنامى على قاعدة المواجهة الطويلة الأمد للاحتلال الأجنبي حتى إجلائه، وذلك ببرنامج سياسي محدد وواضح وقادر على استقطاب العراقيين وزجّهم في معركة تحرير البلاد وإعادة بنائها بجهود أبنائها ولمصلحة أبنائها.. وهي معركة سيكون لها تأثيرها الحاسم على مجمل الأوضاع العربية المعتلة، والتي يواصل راعيها الأميركي إضعافها حتى تصير على عتبة السقوط ثم يتقدم لحمايتها من غضبة شعوبها عليها وعليه معاً.
؟ أما آخر الأسئلة التي كانت تضج بها تلك القاعة الصغيرة في البيت المتواضع المتشح بالحزن فهو التالي:
لا نطلب اعتذاراً من هؤلاء الذين تسببوا، وعن غير قصد، بقتل بعض أبنائنا، فهم قد فجروا أنفسهم »بالكفرة« ليطردوهم من »أرض بيت الله الحرام«.
ولكننا نطلب منهم بيانا يقنعنا بأن أبناءنا لم يذهبوا ضحية خطأ غير مقصود، أو نتيجة اشتباه في وطنيتهم أو في إسلامهم، وأن »استشهادهم« ولو بالمصادفة، سيفيد قضية الإسلام، والعروبة، ان لم يكن لحملة الشعار الإسلامي اعتراض على العروبة التي يجتمع على قتالها الاحتلال الإسرائيلي، ومشروع الهيمنة الأميركية وأنظمة القمع.. العربية!

Exit mobile version