طلال سلمان

محاصرة نصر برا وبحرا وجوا

لم تنهِ إسرائيل، ومَن معها، الحرب على لبنان بعد. كل ما حصل أنها لجأت إلى أسلحة أخرى لا تقل إيذاء عن الغارات الجوية ومحاولات التوغل داخل الأرض الوطنية والتدمير الشامل للمرافق العامة والمؤسسات العامة والخاصة.
إن الحصار الشديد الذي تفرضه إسرائيل على لبنان، براً وبحراً وجواً، يبقي حربها قائمة ولكن من غير دوي …
ولعل إسرائيل ومَن معها، وبالذات الإدارة الأميركية، تريد أن تحقق بالحصار ما عجزت عن تحقيقه بالحرب.
إنها تحاصرنا بالعتمة، إذ تمنع دخول بواخر الفيول والمازوت التي من دونها ستتوقف مصانع توليد الطاقة الكهربائية، وسيغرق لبنان في ظلام يأكل من قيمة النصر..
وهي تحاصرنا في حرية الحركة، إذ تجعل من مطار رفيق الحريري الدولي مطاراً ثانوياً ملحقاً بمطار عمّان… علماً بأن بين مزايا اللبنانيين أنهم لا يهدأون، وأنهم قد أنشأوا مصالح وشركات وبيوت خبرة في العديد من العواصم العربية، وكذلك الدولية، فإذا حوصروا تفاقمت أزماتهم إلى حد يدفع بالكثير من نخبهم إلى الهجرة.
كذلك فهي تمنع كثيراً من الإخوة العرب من أن يجيئوا إلى لبنان إذ تُشعرهم بأن الوضع فيه لم يعد إلى طبيعته وليس وارداً أن يعود إليها في وقت قريب… وبالتالي فإن عليهم أن يخضعوا لشروط إسرائيلية ترفض الكثرة الغالبة منهم التسليم بها.
الأخطر أنها تحرّك المواجع بالضغط والإصرار على نشر قوات دولية على الحدود بين لبنان وسوريا..
أي أنها تريد أن تفرض على اللبنانيين واقعاً عدائياً مع السوريين، كالذي يقوم في قلب حالة العداء معها المؤكدة بالحروب المتعددة، وآخرها تلك التي بالكاد توقفت بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من المجازر ومذابح الأطفال والتدمير الشامل وتقطيع أوصال البلد.
إنها تريد أن تزرع في الذهن اللبناني أن سوريا بلد معاد وبالتالي فلا بد من تسوير الحدود معها بالأسلاك المكهربة والخنادق وحقول الألغام، ولا بد من تقطيع وشائج القربى وصلات الرحم والمصالح المشتركة، والأخطر: لا بد من أن يتراجع العداء تجاه إسرائيل بقدر ما تتعاظم القطيعة مع سوريا.
إن إسرائيل ومعها الإدارة الأميركية تريدان من اللبنانيين أن يقفزوا من فوق بيوتهم المهدمة ومن فوق أجداث ضحاياهم، ومن فوق اقتصادهم المدمَّر بغاراتها التي بلغت تسعة آلاف غارة في شهر واحد، ليتجهوا بعدائهم إلى سوريا، فيشاركوا مع الإسرائيليين في حصارها، لأنها، بشكل أو بآخر، وفّرت الإمداد للمقاومة حتى تمكنت من صد العدوان الإسرائيلي وتحقيق النصر البهي والمكلف.
إن إسرائيل، ومعها الإدارة الأميركية، تريدان أن تأخذا بالحصار وبمناخ العداء الذي تنشرانه ضد العلاقات اللبنانية السورية، ما عجزت آلة الحرب الإسرائيلية عن أن تأخذه بالنار… وهما
تستطيعان أن تقرآ الالتباسات في القرار ,1701 كما تريد لهما مصالحهما قراءته.
إن الحرب مستمرة، وما هذا التعثر الذي يتبدى مقصوداً في تشكيل قوات الطوارئ الدولية إلا جبهة أخرى من جبهات هذه الحرب: فمن كان متحمساً، مثل فرنسا إلى حد التبرع بألفي جندي أو حتى ثلاثة آلاف، خفتت حماسته واكتفى بأن تعهّد بمئتي جندي لم يصل منهم إلا خمسون. وألمانيا طلبت أن تتولى الرقابة على الحدود، البرية والبحرية والجوية، كأنما المشكلة فيها… واشتدت المنافسة بين عدد من الدول الأوروبية على هذه المهمة التي تحرك الفتنة أكثر مما تجلب الأمن وتحقق السيادة بإجلاء المحتل.
ثم إن الإدارة الأميركية تهدد لبنان بقرار جديد يتركز على حزب الله وسلاحه، بما يعيده إلى الدائرة الجهنمية التي كانت الجهود الأميركية قد حصرته فيها، تمهيداً للحرب الإسرائيلية، وتمكيناً لها من تحقيق الأهداف التي فشلت في إنجازها بالسياسة.
إن الحرب لمّا تنتهِ… والانتباه إلى ما يدبّر للبنان، بعدها، واجب وطني. فالصمود بالوحدة الوطنية لا يقل خطورة عن النصر، بل هو شرط لا بد منه لحماية النصر.

Exit mobile version