طلال سلمان

مثقفون في إختلافهم مختلفون في إتفاقهم..

أعلن ناطق رئاسي، أمس، أن حرب الرؤساء قد توقفت… أقله الآن وحتى إشعار آخر.
علينا، مبدئياً، أن نصدق الناطق الرئاسي حتى لو كذَّبه الرؤساء علناً أو بمسلكهم العملي، فالرؤساء أحرار أما نحن فلا نملك أن نكذّبهم حتى لو لم نصدقهم، كذلك فإننا أكرم من أن نأخذ كلامهم على أنه الحقيقة!
وبعيداً عن الناطق الرسمي وادعاءاته، فإن رؤساءنا يقولون ويفرض علينا التهذيب ألا نسفههم علناً، إنهم متفقون استراتيجياً وإن اختلفوا فخلافاتهم تكتيكية وفي التفاصيل فحسب.
وبما أننا، كمواطنين، لسنا خبراء في التمييز بين الاستراتيجيا والتكتيك، فإننا نتمنى على رؤسائنا وهم العالمون العلامون والمعلمون أن يتفضلوا فيحددوا لنا التخوم الفاصلة بين الاستراتيجي والتكتيكي!
هل الخلاف على الدستور وصلاحيات الرئاسات والمؤسسات، مثلاً، يدخل في الاستراتيجيا أم في التكتيك، إذا ما استبعدنا المزاج؟!
هل رئيس الجمهورية أهم من الوزير أم الوزير المعطل هو الأهم؟!
ومن يحلّ من: هل لرئيس الجمهورية الحق في أن يحل مجلس النواب، أم أن المجلس هو سيد نفسه وسيد الرؤساء والشعب أجمعين؟!
وأين، بالضبط، موقع رئيس الحكومة؟! هل هو رئيس لمجلس الوزراء فعلاً؟!
ولكن، متى حضر رئيس الجمهورية يصبح هو الرئيس، فماذا في هذه الحالة يكون رئيس الحكومة، وأين يصبح مجلس الوزراء بين الرئيسين؟!
… فإذا ما انعقدت »الترويكا« فإن رئيس الحكومة يكون »الثالث«، ولكنها إذا ما انفرطت يصبح كل من الثلاثة »الأول«، وإذا ما تحالف »الأول« مع »الثالث« فإن »الثاني« التشريعي يجد نفسه محاصراً بين »تنفيذييْن«، أما إذا تحالف الثاني والثالث فإن الأول يحس نفسه مغبوناً طائفياً ويصيح: يا غيرة الدين!
ويقول الرؤساء، ويفرض علينا التهذيب أن نظهر أننا نصدقهم، إنهم متفقون استراتيجياً مع دمشق (معاهدة التنسيق والتعاون والأخوة تلازم المسارين فتح الحدود والاندفاع نحو التكامل الخ).
لكننا نراهم يشغلون دمشق باختلاف مساراتهم هم، ويلزمونها مرة كل شهر (على الأقل) وكل أسبوع (على الأكثر) بأن تبذل أقصى الجهد للتنسيق في ما بينهم، ولمحاولة ترميم التعاون والتنسيق والتكامل في ما بينهم هم، أقله من أجلها وكرمى لصمودها الذي يبقيهم في السلطة في بيروت.
ويقول الرؤساء، ويفرض علينا التهذيب ألاّ نكذّبهم، انهم متفقون استراتيجياً على ضرورة مواجهة التطرف الاسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، ولا سيما بعد نجاحه في الاتفاق مع نفسه حول تقسيم مدينة الخليل واستبقاء الضفة الغربية رهينة احتلاله الى ما شاء الله..
لكنهم، في اللحظة ذاتها، يفجّرون حروباً سياسية تهدد هيبة الجيش ويمدون ايديهم الى الاجهزة الامنية يعطلونها او يضخمون دورها اكثر مما يجب، فيتسببون في خلق حالة عجيبة: اما تضخيم دور المؤسسة العسكرية في السياسة بحيث يستفز الناس جميعا ويخافون على الديموقراطية والنظام الديموقراطي البرلماني، او تهشيمها بما يشطبها كعنصر فاعل في مواجهة العدوان المحتمل، او يلغي هيبتها فتتجرأ عليها اية عصابة او مجموعة تخريبية في الداخل، فكيف بالخطر الاسرائيلي الداهم؟!
يقول الرؤساء، ويفرض علينا التهذيب ألا نكذّبهم، انهم متفقون على تنفيذ الطائف نصا وروحا، بما في ذلك تحقيق الانماء المتوازن وتأكيد عروبة لبنان ووحدة شعبه.
لكننا نفاجأ فنفجع بأن الاختلافات العميقة والمموهة جيدا ما تزال تمنع توحيد كتاب التاريخ واعداد كتب التنشئة الوطنية لخلق مناخ موحد في مدارس التقسيم الطائفي… ولم تقدم ذلك الموعد المرتجى سبع سنوات سمان من حكم »الجمهورية الثانية« شهدت تمديدا لرئيس الجمهورية وقيام ست حكومات وانتخاب مجلسين نيابيين لإكمال ما انجزه المجلس المعتق الذي حمل وزر اتفاق الطائف.
إنهم على اتفاقهم مختلفون على قانون الانتخاب، مختلفون على الانتخابات البلدية، مختلفون على التعيينات، مختلفون على توزيع أنصبتهم والحصص في الصناديق والمجالس الممتازة، ومختلفون على نسب الموظفين من كل طائفة او مذهب ولو في »الدفاع المدني«!
لكنهم متفقون، على اختلافهم، ان تظل الانتخابات شكلية تنجزها »المحادل« وليس صناديق الاقتراع، وان تظل الادارة مزارع ومحسوبيات وحصصا لا تقررها الامتحانات او المباريات بإشراف مجلس الخدمة المدنية.
ومتفقون على ان يبقى لكل صندوقه الاسود ومجلسه الاخضر (بلون الدولار)..
صحيح… هم متفقون استراتيجيا علينا، مختلفون تكتيكيا في بعض التفاصيل كإسرائيل نتنياهو ومخططاتها »السلمية« ودور أوروبا وهل يكون من داخل الهيمنة الاميركية ام للتخفيف منها ولو بمقدار، ودور لبنان قبل »السلام« »ومن اجل السلام« وأي سلام هو المطلوب..
وهذه كلها امور تفصيلية يمكن حسمها في »افطار« او ربما على »السحور« في بعض خيام الهنا التي تجمع ولا تفرّق وتوحّد ولا تقسّم وتؤكد مقولة: مَن له يُعطى ويُزاد ومَن ليس له يؤخذ منه..
وسبحان مقسّم الأرزاق.
واذا قال رؤساؤنا انهم قد اتفقوا اخيراً… فصدّقوهم، وانتظروا اعادة الفيلم القديم مجددا، ثم سحبه من التداول، حتى يقضي الله أمرً كان مفعولا!

Exit mobile version