من الصعوبة بمكان أن تحافظ على الحد الأدنى من العقل حين يحيط بك كل هذا الجنون. لكن فلنحاول على الأقل الحفاظ، ما أمكن، على بعض الوضوح.
لقد تعرض الشعب السوري بمختلف فئاته إلى إهانات عديدة ومزمنة كانت، أيام النظام السابق، منهج حكم.
اليوم أمام السوريين طريقان:
الأول يعتبر أن ماحصل، ولأنه كان شديد السوء، فمن الضروري ألا يتكرر تحت أية صيغة أو مسوغات أخرى.
الثاني يعتبر أنه لا بأس أن يتعرض من لم يذق طعم المعاناة الكبيرة إلى “شيء” من مذاقها المر.
الطريق الأول يحاول البناء وقد يفضي إلى تأسيس أو إعادة تأسيس الدولة وتحديد أطر المستقبل.
الثاني يقضي جلَّ وقته بمحاولة إجراء مقارنات مع الماضي المؤلم ويستنتج، مقنعاً نفسه، في كل مرة أن مايحصل، على بشاعته، لايرتقي إلى مستوى بشاعة ما كان حاصلاً أيام الحكم السابق، وهو لهذا السبب جيدٌ ومقبول.
يبدو الطريق الأول مقفراً، يسلكه بعض الحالمين والذين لايزالون على إيمانهم بأنه ثمة إمكانية مستقبلٍ أفضل، وأن طريق العدالة والمحاسبة بالقانون ممكن.
على العكس، الطريق الثاني ولله الحمد، شديد الازدحام، يتدافع رواده ويتسابقون، لهم لغتهم ومفرداتهم ونشوة انتقامهم ومقارناتهم وهم دائماً عل حق… لمَ لا، طالما أننا لم نصل بعد إلى مستوى سوء العهد البائد؟
لابأس إذن ببعض الاعتباط وخلط الأولويات … وهكذا نفرش الطريق بصورٍ ندوسها وتماثيل نحطمها وشوارب ننتفها…فكلها أحداث بسيطة وفردية.. ولماذا تحتج يا أستاذ؟ .. ياشهم.. يا مثقف.. ووين كنت لما… وماسمعناك لما… وأصابك الخرس عندما… وهكذا يروي الشعب الواحد (واحد.. واحد) حكاياته المتضادة، يبني عليها دون اشتشفاف الأفق ولا محاولة التفكير بما تبقى لنا من عقل، فنسلك طرقاً التفافية تملؤها دماء لاتتوقف عن السيلان، ونسير في متاهات لامخارج لها.