طلال سلمان

مبادرة لتعويض هزيمة

حققت إسرائيل، مجاناً ودون أي جهد من جانبها، عبر زيارة الوزيرين المكلفين تسويق مبادرة السلام العربية ما عجزت عن تحقيقه في حربها على لبنان ومقاومته الباسلة، التي امتدت لثلاثة وثلاثين يوماً بلياليها، في مثل هذه الأيام من العام الماضي.
ونفترض، من باب حسن الظن بالوزيرين المسوِّقين، أن إسرائيل هي التي حددت الموعد الميمون، علها تثبت لشعبها أنها وإن كانت قد خسرت حربها على لبنان وفيه، فإنها قد كسبت من العرب أضعاف أضعاف ما عجزت عن تحقيقه بقوتها التي لا تقهر!
لعل إسرائيل أرادت أن تثبت للعالم، بعد شعبها ، أن الحرب التي شنتها على لبنان كانت ؟ وبكل المعايير ؟ حرباً عربية على المقاومة في لبنان، فضلاً عن كونها حرباً إسرائيلية.
ولعل أولئك المبادِرين العرب قد أرادوا أن يقولوا للعالم إنهم وإسرائيل شركاء ، وأن موقفهم منها في حربها على لبنان كان يؤكّد تلك الشراكة في مقاومة الإرهاب ، قبل تلك الحرب وبعدها… بل إن تلك الحرب بالذات قد زادت من الأسباب الموجبة للشراكة التي اتخذت الآن الطابع الاستراتيجي، خصوصاً أنها تتم تحت المظلة الأميركية وبرعاية إدارتها التي لعبت دور القائد في تلك الحرب.
ليس أسهل من استبدال كلمة مقاومة بكلمة إرهاب ، وكلمة الجهاد بمعناها النبيل بكلمات من نوع الأصولية الإرهابية أو السلفية المعادية للحضارة … وتحت هذه المظلة الوهمية يمكن أن يتلاقى الاعتدال العربي مع العنصرية الإسرائيلية مع المشروع الإمبراطوري الأميركي لصنع الشرق الأوسط الجديد باعتماد الفوضى البناءة !
لا يهم أن يكون في السجون الإسرائيلية أكثر من أحد عشر ألف أسير فلسطيني، بينهم نواب منتخبون ديموقراطياً، وبينهم مناضلون وأبطال لشعبهم ورموز لكفاحه من أجل حقوقه في وطنه.
ولا يهم أن يكون على الحدود بين رفح ورفح أكثر من ستة آلاف أسير للجوع والحر والمهانة، يمنع عليهم الدخول إلى ما تبقى من وطنهم.. المحتل!
ولا يهم أن تكون حملات الدهم بالرصاص والاعتقال مستمرة، وأن يغمض وزيرا المبادرة عيونهما عن الشهداء الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي قبيل أو خلال زيارتهما الميمونة، وفي أنحاء متفرقة من الضفة الغربية فضلاً عن غزة.. المخطوفة!
المهم إقامة التحالف التاريخي بين عرب المبادرة وبين الإسرائيليين تحت الرعاية الأميركية لمواجهة الإرهاب الأصولي أو الإرهاب الإسلامي ، ولا بأس إن كان ما تبقى من فلسطين ثمناً لهذا الحلف غير المقدس.
أما لبنان فله الله، وله فيلتمان، وله المبادرات التي تغرق في طواحين الكلام.
… وهذه هي العقوبة بالحد الأدنى لمن تجرّأ فقاتل إسرائيل فكشف عجزها، ممّا اضطر شركاءها في المسؤولية عن الحرب على لبنان أن يتخلوا عن حيائهم وأن يذهبوا إليها ليعلنوا تضامنهم في وجه هؤلاء الذين يريدون تخريب مبادرات السلام ، والذين آن لهم أن يفهموا أنهم إنما يقاتلون العرب ويقاتلون العالم كله عندما يفكرون بقتال إسرائيل، فكيف إذا هم تجرّأوا فقاتلوها وانتصروا.

Exit mobile version