طلال سلمان

ما بعد حقبة سورية

خرجت سوريا من لبنان، بعد ثلاثين عاماً من توليها »»إدارته« بتفويض دولي معلن، مثخنة بالجراح.
.. وها هو لبنان يشهد خروجها وهو مثخن بجراحه، يجتاحه مزيج من مشاعر الغضب واللوم والإحساس العميق بالخسارة لانتهاء هذه التجربة الفريدة، هذه النهاية البائسة والمخجلة إلى حد الإيلام.
فليس نصراً للبنان أن تخرج سوريا منه مهزومة، بينما تدخله »الدول« لتضعه تحت وصايتها المباشرة، ولتضع سوريا باسمه في قفص الاتهام، في حين أن الأسباب تتعداه إلى ما تدبره الإدارة الأميركية لهذه المنطقة عموماً، مع حفظ الحصة الإسرائيلية فيه.
ولعل أكثر ما يؤلم لبنان أن تكون أخطاء الإدارة السورية للمسألة اللبنانية قد تسببت في استدراج هذا التدخل الدولي وفي تبريره بل وشرعنته بأكثر من قرار في مجلس الأمن!
وإذا كان واقعاً مأساوياً ألا يتبقى من سوريا شيء بعد ثلاثين عاماً من التفويض السياسي المطلق الذي أتاح لها أن تدجّن نظامه (الشرس) فتصطنع فيه الرئاسات والنيابات والوزارات والإدارات، فإن استعادة »الدول« هذا التفويض لن يكون أقصر الطرق أمام اللبنانيين لتأكيد تحقيقهم الحرية والسيادة والاستقلال.
ولا يتصل الأمر بمفاضلة بين وصايتين فمن اختار سوريا كان عميلاً أو منافقاً أو شريكاً في الفساد لسوريين، ومن اختار الثانية كان من أبطال »ثورة الأرز«.
وبالتأكيد فإن الحقبة السورية مسؤولة عن استيلاد هذه الطبقة السياسية التي حكمت بالاستناد إليها طيلة الفترة التي تلت وقف الحرب الأهلية وإقرار اتفاق الطائف، لكن هذه الحقيقة لا تعطي صك براءة لكل من حكم أو عارض من موقع »المحارب« على امتداد الأربعة عشر عاماً الماضية وتطهّره من آثامه وتعيد تقديمه كبطل في معركة تحرير لبنان!
لقد ارتكبت الادارة السورية أخطاء فادحة. وليس مما يبررها أن يكون بعض كبار »القادة« والمسؤولين المحليين قد شاركوها أو غطوا أخطاءها أو مهدوا لها وسوّغوها. وبالتالي فليس مما يحقق الغد الأفضل للبنان أن يعاد تظهير هؤلاء وكأنهم أبطال معركة إجلاء »الاحتلال السوري«.
ولكم كنا نتمنى لو أن وداع الحقبة السورية كان لائقاً بالعلاقة بين الشعبين الشقيقين، من قبل ومن بعد.
لكن النهاية اللائقة كانت تتطلب تجربة ناجحة في إرساء الأساس المتين للعلاقة بين البلدين المتكاملين على قاعدة من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والايمان الثابت بداهة بوحدة المصير.
إنها تجربة مرة ارتدّت بالضرر على الشعبين في الدولتين، وهو ضرر سيتجاوز الحاضر الى المستقبل.
… والآن، الى مواجهة »التدويل« الذي تذرّع بالأخطاء السورية (وهي مشتركة مع أطراف لبنانية معروفة) لكي يفرض وصايته على لبنان وسوريا معاً.
إن حساب لبنان مع سوريا يظل داخلياً مهما كان حجم الخطأ. أما التدخل الدولي الذي يجهر برغبته في تأديب سوريا ومعاقبتها على الصح فيها، فلا يحمل للبنان إلا الوعد بالأسوأ.
وليس شرفاً للبنان أن تأخذه الكيدية والرغبة بالانتقام إلى إيذاء سوريا ولو بتدمير ذاته.

Exit mobile version