طلال سلمان

ما بعد »الثقة هزيلة« قانون انتخاب هو امتحان

أما وقد نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي، ولو هزيلة كما يقول خصومها، فيمكن الاطمئنان إلى أن »اللعبة الديموقراطية« في لبنان بألف خير!! ويمكن بالتالي الالتفات إلى بعض التطورات »العابرة« التي شغل الحكم عنها لكي ينجز مهمته الاستثنائية في توكيد أنه »لا يطلب شيئاً لنفسه« وذلك عندما ارتضى أن يضحي فيقبل بالتمديد لثلاث سنوات بدلاً من تجديد الولاية لست سنوات كاملة، إلا إذا كان »للشعب« رأي آخر كجعلها »مفتوحة«، مثلاً، مدى الحياة..
من بين تلك التطورات العابرة والشيء بالشيء يذكر، أن الأميركيين كانوا أكرم من اللبنانيين مع رئيسهم جورج و. بوش، فأعطوه ولاية ثانية، كاملة، وبأكثرية ساحقة، تكرسه »إمبراطوراً للكون« بالإرادة الشعبية، مع أنه ليس أكثر ذكاء أو دهاء أو عبقرية في الاقتصاد أو نجاحاً في الأمن من رئيسنا الذي بفضل صهره الذي افتداه بموقعه استطاع أن يمنع »الإرهاب« من أن يفجر برج المر، مثلاً، أو أي برج مشابه، كما حدث في نيويورك، أو أن يصل »الإرهابيون« إلى قلب وزارة الدفاع كما وصلوا إلى قلب البنتاغون في واشنطن..
ومن بين تلك التطورات أيضاً تدهور الحالة الصحية للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ودخوله في غيبوبة يرجح ألا يفيق منها، بكل ما يفتحه غيابه عن المسرح من مخاطر غير محدودة، لن تقتصر تداعياتها على شعب فلسطين المحاصر بالقتل اليومي والمهدد بالتشريد لكي يتمكن العدو الإسرائيلي من استقدام المزيد من المستعمرين وزرعهم فيها جيشاً إضافياً من القتلة المحميين بالسلاح وبما هو أقوى: بالدعم الأميركي المفتوح، وبالتخاذل العربي المفتوح، وبانعدام تأثير الرأي العام العالمي في العصر الأميركي الذي استولى على المؤسسات الدولية وبات يسخرها لأغراضه المباشرة ومصالحه العظمى وأولها إسرائيل.. وإسرائيل السفاح أرييل شارون بالذات.
والحدث الفلسطيني الطارئ سيستولد ما لا يعلم إلا الله من ردود الفعل، داخل فلسطين الفلسطينية، وفي مواجهة مخططات الإبادة أو التصفية الإسرائيلية لوجود هذا الشعب الأسطوري البطولة، داخل أرضه وخارجها، ومن ثم داخل لبنان حيث يُحاصَر الفلسطينيون باليأس من احتمال أي تسوية تحفظ لهم الحق الأدنى من حقوقهم في وطنهم، وبالعسف الذي يعيشون فيه محاصرين ومحصورين في مخيمات اللاجئين، والأخطر والأمرّ: بالاتهام في وطنيتهم كما في إخلاصهم للبنان الذي استضافهم (مكرهاً)، وما زال يطاردهم بذريعة التسبّب في حربه/ حروبه الأهلية/ العربية/ الدولية، بينما كانوا هم الضحية الأولى قبله وبعده لتلك الحروب التي لما تهدأ نيرانها تماماً، والتي دفعوا وما زالوا يدفعون ضرائبها الثقيلة على وجودهم كما على حقوقهم الإنسانية ولو بحدها الأدنى.
وبين تلك التطورات أيضاً ما جرى ويجري لشعب العراق تحت الاحتلال الأميركي من تقتيل وتدمير لمرتكزات دولته التي كانت ذات يوم الأقوى بقدرات أبنائها العلمية وتضحياتهم من أجل حقوقهم في بلادهم، وهم اليوم يُدفعون إلى الحرب الأهلية (تحت العلم الأميركي) دفعاً بالصواريخ وقذائف المدفعية والحصار النقال من الغرب إلى الجنوب مروراً ببغداد، وتستغل »أمنية« الانتخاب لجعل وهم الديموقراطية عامل تقسيم للبلاد حسب أعراقها وطوائفها والمذاهب.
هذا من دون أن ننسى، بالعودة إلى لبنان، حرب التدخل الدولي التي انفتحت عليه (وعلى سوريا معه) بالقرار 1559 بذريعة تعديل الدستور من أجل التمديد، كأنما مجلس الأمن الدولي هو المرجع الصالح للبت بمدى »شرعية« بل و»ديموقراطية« أي نظام سياسي قائم في هذه أو تلك من دول العالم، ثم بالعلاقة بين أي شعبين شقيقين متجاورين إلى حد التكامل، والأخطر: مَن مِن الأحزاب السياسية له حق العمل في مجتمعه، ومَن يتوجب الحظر عليه وتصفيته باعتباره »ميليشيا مسلحة« حتى لو كان الأوسع شعبية والأنصع تاريخاً بشهادة دماء مجاهديه في تحرير التراب الوطني وحمايته، وفي التزامه النظام الديموقراطي وممارسة دوره السياسي من خلاله وليس بالانقلاب عليه.
يمكن الجزم، إذاً، أن هذه التطورات لم تكن في بال الحكم وهو يقدم بعدما اطمأن إلى حصوله على التمديد على »استدراج« التبديل الحكومي لتحقيق بعض أغراضه التي تعذر عليه تحقيقها في »الولاية الأولى«.
وهكذا تجاوز الحكم، المطمئن إلى »ان كل شيء هادئ« على الجبهات جميعاً، الداخلية منها والخارجية، العقبات جميعاً وأمكنه ان يشكل حكومة التمديد الأولى ثم ان يؤمن لها الثقة، ولو هزيلة، ثم ان يصدر »أمر اليوم« الحازم: إلى الانتخابات سر!
فأما الرئيس الأول فقد حاول ان يجعلها »حكومته« شخصياً، ثم اكتشف انه لا يستطيع ان يطالب بجوائز إضافية، بعد التمديد، بل عليه ان يدفع ثمن الاستثناء المكلف لجميع الاطراف: سوريا في البداية ثم الحياة السياسية في لبنان.
من هنا فقد حاول الانفراد باختيار معظم الوزراء، بعد تحييد رئيسها باسترضائه شخصياً، ثم تراجع ليحصر اهتمامه بالوزراء المسيحيين (باستثناء سليمان فرنجية) كتعويض عن تضحيته بصهره الذي نال شهرة دولية في مكافحة »الإرهاب« في مجدل عنجر وسائر البقاع الغربي، وسير الضنية وسائر الشمال، وبريتال وحورتعلا وسائر بعلبك الهرمل. وكان ان سمى من »عينهم« ممثلين للبطريرك الماروني، ومن اختارهم ليكونوا ضمانة لشعار »وحدة المسار والمصير«، لكن الظروف حكمت بأن يكونوا بأكثريتهم من خارج المجلس… كما ان البطريرك سرعان ما تبرأ من تهمة ان يكون قد سمى أو »طلب شيئاً لنفسه«، بينما أخذ الناس ينبشون في تاريخ »المجهولين« الذين باتوا أصحاب معالٍ فظل السر مغلقاً والكفاءات »سرية«!
وأما الرئيس الثاني فقد وجدها فرصة لا تعوض فتصيدها محتكراً تمثيل طائفة شاسعة ومناطق شاسعة على حساب »خصومه« و»منافسيه« مضحياً بحزبه جميعاً (حركة »أمل«) لتكون له شخصياً الحصة العظمى بعدما صنف نفسه »طرفاً« لا وسيطاً… لكن هذا الاحتكار ساهم في إنقاص الثقة النيابية بالحكومة، خصوصاً أنه مثل شريكه الرئيس الأول، قد »هرب« من النواب إلى خارج المجلس، من دون ان يعني هذا الكلام طعناً بأشخاص من تم توزيرهم، وفيهم أكثر من كفاءة، ولكنها محاولة لتفسير »الانتقام النيابي« من حكومة فيها 12 نائباً من اصل ثلاثين وزيراً!
أما الرئيس الثالث، العائد بعد غياب 12 عاماً عن النادي، فقد حاول جاهداً أن يحسن في صورة الحكومة، ثم رأى ان اختراق الاعتراضات مستحيل، وأن »السابقة« التي سجلها على نفسه بزيارة بكركي لم تثمر، كما ان وليد جنبلاط لم يرمِ خلفه هواجسه ولم يبدل موقفه الحاسم من التمديد، ليسانده، ولو بغير طلب، وأن رفيق الحريري وصل في مجاملته إلى الحد الأقصى، أي الامتناع عن التصويت، وهكذا ارتضى بثقة هي من وزن الحكومة وطبيعتها: ليس بالإمكان أبدع مما كان.
ما يخفف من حدة الأزمة أنها حكومة انتخابات فحسب… وفي العادة، فإن حكومة الانتخابات لا تعامل بقسوة، على اعتبار انها عارضة وموقتة وذات مهمة محددة ومهلة محددة لا تتجاوز عادة بضعة شهور..
لكن »الثقة الهزيلة« في المجلس النيابي يجب ألا تمنع من يريد العمل من ان يبذل جهده لتحقيق الحد الأدنى من المطالب الحيوية للناس، داخل الإدارة وخارجها، وفي التعليم كما في مجال الخدمات الأساسية وأولها الكهرباء.
لقد تم توسيع »مساحة الحركة« أمام عمر كرامي وحكومته إلى أقصى حد، ضمن الظروف القائمة… وعلى »قائد كتيبة الفدائيين« أن يثبت انه جدير بهذا اللقب الذي أطلقه على نفسه، بدءاً بمجلس الوزراء وانتهاء بمجلس الوزراء..
والامتحان الأعظم هو قانون الانتخاب.
وعندها قد تتحول الثقة من »هزيلة« إلى »ممتازة« أو يسقط الجميع في الامتحان.

Exit mobile version