طلال سلمان

ماما زهية..

قالت لي في أول لقاء، وكنت في البدايات من عملي في الصحافة: تخفف من خجلك، فالحياة تحتاج أن نواجه مشكلاتها في عينيها. سأقول لك ما علمته أولادي: أستوثق من حقك فيسقط عنك الخوف من مواجهة المعتدي أو الظالم أو المنتهك. والمجاملة لا تعني التخلي عن الرأي، كما أن المصارحة لا تستوجب العداء.
قصدتها مرارا، وهي إحدى أنشط من عرفت جهدا وبذلا، وإحدى الأنجح في حفظ العلاقات وفي توطيد الود، وفي متابعة الموضوعات التي تهمها، وقد كانت في كل نشاط وفي كل مجال له علاقة بالحريات العامة أو بحقوق الانسان، إضافة الى اهتمامها بتقدم المرأة وبتمكينها من لعب دورها الطبيعي »لكي يستقيم النصاب في المجتمع«… وكنت في كل مرة أعود من لدنها وقد أفدت علما وخبرة بالناس.
»إنها مجتمع كامل« قال لي أحد الأصدقاء..
وتمنيت لو أن مجتمعنا كان على شاكلتها، هذه الأم التي وسّعت حدود دارها باتساع قلبها، والتي كانت بعاطفتها كما بعقلها عابرة للطوائف والجهات والمناطق،
وحين تعرفت على أبنائها، وكلهم متميز في مجاله، وربطتني بالبعض صداقة وبجميعهم شيء من المودة، لم أستغرب نجاحاتهم، فالقدوة بينهم ومعهم، أمامهم، فوقهم وخلفهم، تصلهم بالناس وتحفزهم بل تتحداهم أن يضيفوا إلى ما أعطت وما قدمت.
قالت لي مرة: البعض يظنك واحدا من أبنائي، وهذا يسعدني ولا يزعجني مطلقا..
قلت: إن هذا الالتباس يسعدني أيضا فضلا عن أنه يفيدني،
قالت بحنو الأم وبثقة »القائد«: أعرف أنك لست ممن ينتهزون الالتباس للاستفادة منه. ثق بقدرتي على الحكم على الناس!
… وكيف لا أثق بامرأة جامعة.
رحم الله زاهية سلمان التي نجحت في أن تقدم نفسها أما لكل اللبنانيين، مؤكدة بذلك »وحدتهم« إذا توفر لهم مثل روحها الاقتحامية ومثل إخلاصها ومثل دأبها الذي تحدى المرض ثم هزمته الحرب فكان الموت خلاصا.

Exit mobile version