طلال سلمان

ماء عيون

حيِّ على المقاومة! حيِّ على الصمود! حيِّ على الأرض المباركة! حيِّ على الماء الذي أعطته دماء الشهداء قداسة استثنائية! حيِّ على الإرادة التي تصنع النصر على العدو الجبّار بسلاحه وبالدعم الأميركي المفتوح.
حيِّ على المسؤولية الوطنية وهي تتجاوز الانقسام والخلاف السياسي فتوحد لبنان كلّه في هذه المعركة الباسلة التي ستكون مدداً للأخوة الذين توحدوا بأرضهم في فلسطين يعطونها حيواتهم لتبقى وتستبقيهم فيها، ومدداً للأخوة المحاصرين والمهددين بحرب التدمير الأميركي الشامل في أرض الرافدين ومن حولها.
بماء العيون، بعد الدماء، كتب لبنان المقاوم على صفحة التاريخ أن الهزيمة ليست قدراً، وها هو يدور اليوم بمائه ليسقي العطاش من أهله، ليس في جنوبه المجاهد فحسب، بل في كل دنياه العربية… ولعله في بعض الحالات قد يرش من هذا الماء القدسي على الغافلين أو المتناومين لعلهم ينتبهون إلى أنهم إن هم صمدوا انتصروا، وإن هم وهبوا أرواحهم لأرضهم كانت لهم أوطان وكانت لهم فوقها حياة كريمة، أما إن هم هزموا أنفسهم واستسلموا بغير قتال فلسوف ينتهون لاجئين بؤساء في ديارهم التي لن تكون بعد ذلك لهم.
كان »الوزاني« مجرد رافد صغير لنهر غير كبير فصار عنواناً لجبهة واجهنا فيها الطغيان وشياطين الخوف والمساومة وبازار التنازلات والضغوط وانتصرنا بالإرادة ودقة الحساب والإفادة من العناصر جميعاً: الأرض والحق والتوقيت والهدف الموحِّد الذي يجمع ولا يفرّق.
ولسوف نتبرّك بماء هذا النهر الصغير لأنه سيحيي الأرض الموات، وسيخضِّر هذا القحط الذي تواجهه من الناحية الأخرى المزارع ومصانع تعليب الفواكه والخضروات التي أقامها العدو الإسرائيلي إعلاناً عن تحضّره وبداوتنا، عن أخذه بالعلم وإفادته من كل قطرة ماء ومن كل شبر في الأرض المحتلة في مقابل إهمالنا (الرسمي) للقرى التي هجرها فلاحوها البدائيون لانعدام المساندة الرسمية والوسائط الضرورية لزيادة الإنتاج، ومن ثم للثبات مرابطين في »ثغور« جبل عامل.
سنأخذ من الوزاني عطراً لنسائنا، وسنجعله حليباً لأطفالنا، ومنه سنغرف للوضوء،
.. ومنه سنملأ أباريق الفخار المزركشة ونقدمه ماء زلالاً لضيوفنا في المطار، وليكن أولهم الرئيس الفرنسي الصديق الذي يصلنا اليوم، ولنقدمه غداً لكل ضيوفنا المحتشدين في قمة الفرنكوفونية، لعله ينعش أخواننا الأفارقة بشكل خاص فينتبهوا إلى ضرورة حماية بلادهم بالوحدة وحماية وجودهم بالتضامن.
في هذا العيد لا بد من تحية تقدير وإجلال لكل من ساهم في اصطناعه: الدولة التي لم تجبن أمام التهديدات، ومجلس الجنوب بشخص رئيسه الذي اقتحم رجاله الموقع في مواجهة مدافع العدو ودباباته، وجميع المهندسين والعمال والمراقبين والجنود.. وأهالي القرى الذين أحاطوا رجال الإنجاز بعواطفهم ورعايتهم وربما ببعض أصناف الضيافة »من الموجود«.
في هذا العيد أيضاً لا بد من تحية الغائبين الحاضرين، الذين رحلوا وتركوا لنا وصيتهم الجليلة: الماء ثم الماء ثم الماء، هو أخطر أسلحتنا بقدر ما هو أعظم مصادر ثروتنا فاحفظوه وامنعوا عدوكم من اغتصابه!
في هذا العيد تحية لإبراهيم عبد العال، لريمون إده، لموريس الجميل وكل رفاقهم الذين ناضلوا معهم لكي نكسب حرب الماء، ثم مضوا إلى ربهم قبل أن ننجزها.
ها قد قطعنا خطوة واسعة على الطريق، فلنحمِ وحدتنا لصيانة هذا الإنجاز الوطني العربي

Exit mobile version