طلال سلمان

ليكن يوما لاستعادة وحدة

من حق اللبنانيين أن يهنأوا بلحظة فرح نادرة، هذه الأيام، متمثلة بنصر استثنائي عنوانه استرجاع أسراهم، أحياءً وأجداثاً، ممن كان يحتجزهم عدوهم الإسرائيلي منذ سنين طويلة طويلة..من حق هؤلاء اللبنانيين أن يعيشوا شيئاً من البهجة، بعدما أنهكهم مسلسل لا ينتهي من الأزمات الداخلية التي نغصت وتنغص عليهم حياتهم، سواء منها تلك التي تستولدها وتعيش عليها الطبقة السياسية وهي تسحبهم ـ بغرائزهم ـ نحو الفتنة، أو الاقتصادية ـ الاجتماعية التي يعانون من أثقالها ما لا يطيقون، مما يدفعهم إلى الكفر بالوطن والهجرة منه إلى أي مكان يوفر لهم الخبز بعرق الجبين مع الأمن والأمان… بينما هذه الطبقة السياسية ذاتها <تتصارع> مستخدمة كل فنون المناورة والحيل المكشوفة وأنماط الدهاء واستغباء الآخرين، في <معركة> عنوانها <الحقائب الوزارية>، أو هكذا يُراد لنا أن نصدق.من حق اللبنانيين الذين ضاقت الدنيا في عيونهم، وباتوا يستريبون ببعضهم البعض، بل ويخافون من بعضهم البعض، حتى لا نقول إنهم يكيدون لبعضهم البعض أن يستشعروا في أنفسهم القدرة على وأد مناخ الفتنة الذي له من يستولده ويرعاه ويعيش منه وعليه، وأن ينتبهوا إلى أن وحدتهم هي ضمانة حياة وطنهم الصغير، كما أنها مصدر هائل لقوتهم التي وفرت لهم، وأكثر من مرة، أسباب النصر على أعتى عدو عرفته الأمة عبر تاريخها الممتد عميقاً عميقاً في هذه الأرض التي تكون لهم بقدر ما يكونون لها.ليست عملية تبادل الأسرى التي ستجري خلال أيام، بين المقاومة التي سطرت ـ بدماء مجاهديها ـ صفحات مجيدة في السجل الذهبي لهذا الوطن الصغير، وبين العدو الإسرائيلي، أمراً عابراً، أو حادثاً عادياً، بل هي تتويج للصمود الذي أبداه هذا الشعب، جميعاً، بقدر ما أنها توكيد للقدرة على الإنجاز إذا ما توفرت مع الوحدة الوطنية الكفاءة القيادية المتميزة التي تنظر إلى شعبها كوحدة، وتفهم وطنها بوحدته، ولا تشغل نفسها بلعبة الكراسي الموسيقية من حول سلطة لا سلطة لها في دولة مفلسة، يكاد مصيرها أن يتقرر خارجها، لأن طبقتها السياسية مشغولة عن هموم المصير الوطني بأوهام تقاسم النفوذ.. ولو على حساب وحدة الوطن بشعبه ودولته.على أن الأمانة تقضي بأن نسجل لبعض القيادات السياسية في لبنان، أنها تجاوزت الخلافات حول الحقائب، وتسامت على الخصومات والمصادمات التي وقعت في الأسابيع القليلة الماضية، والتي كانت من فعل فاعل وليست نتيجة مصادفات قدرية، فجهرت بتقديرها وتهنئتها لقيادة المقاومة على إنجازها الجديد بتحرير الأسرى، الأحياء منهم وكذلك أجداث من سقطوا دفاعاً عن الوطن والأمة.وبقدر ما استقبل المواطن بالتقدير هذه المواقف المتسامية على إشكالات الصراع على السلطة، فإنه يتمنى أن تكون فاتحة لتحولات تقرّب بين الذين كانوا متقاربين في وحدة الموقف فتباعدوا وافترقوا وتشتتوا فضعفوا وأضعفوا، تاركين للتدخل الخارجي مساحة واسعة للعب بمصير البلاد والعباد.فليكن يوم استعادة الأسرى يوماً لاستعادة روح الوحدة الوطنية أيضاً،إنه بذلك يكون <يوم عيد> في وطن يستطيع الصابرون من أهله أن يواجهوا أعتى الأعداء بينما تعجز طبقتهم السياسية عن تشكيل حكومة لن تعيش إلا شهوراً لكي تنجز المهمة الخطيرة: الانتخابات التي ستعيد اللبنانيين خمسين سنة إلى الخلف، بحيث يكتب عليهم أن يعيشوا دائماً في أتون الحرب الأهلية… وبالوسائل الديموقراطية على الطريقة الأميركية!

Exit mobile version