طلال سلمان

ليت خجل ينفع في غزة او في بيروت

عند باب الطائرة، التفت عمرو موسى إلى القلة من مودعيه في مطار بيروت، وفاجأهم بقوله: لبنان في أزمة. هذا صحيح، ونحن نحاول، وإن كانت المحاولة لم تنجح في إرساء قواعد الحل بعد… أما ما يخجلني من نفسي، وربما من موقعي، قبل الحزن وبعده، فهي هذه الجريمة الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، المتروكة لمصيرها في ظلمة العقاب الجماعي الإسرائيلي.
كان الشحوب يجلّل العاصمة النوارة وضواحيها التي تتبدى، نهاراً، لوحة باهرة الجمال، بجبالها المكللة قممها بالثلج وبحرها يغسل أقدامها وخطايا سياسييها… فالكهرباء ما تكاد تضيء حتى ينقطع التيار، وتجار النور لا ينتجون إلا ما يجعل ربحهم مضموناً باستمرار الأزمة السياسية المولدة للعتمة.
كان سهلاً الاستنتاج أن عمرو موسى وحده، ومهما كانت كفاءاته الشخصية التي لا تغني عن المؤسسة الأم، جامعة الدول العربية، المعطلة قصداً وبقرار جماعي (؟)، لا يكفي لحل هذه الأزمات المصيرية العربية، المصنوع منها والمستولد حديثاً، أو المستعاد من قلب أوهام الحلول السابقة، المبتسرة أو التي ارتجلت لإرجاء الانفجار أو حصره في منبته ، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لا تصح المقارنة بالطبع بين الوضع المعقد والمأزوم في لبنان، وبين غزة التي يقتل المليون ونصف المليون من أهلها ألف مرة في اليوم: بالحصار الغذائي والتمويني، بقطع الإمدادات الطبية عن مستشفياتها، بالقصف المنهجي الذي يستهدف كل حي فيها، بغير تمييز بين الرجال والنسوة والأطفال، بين البيوت والمقار الرسمية وأكواخ البؤساء العاطلين أو المعطلين عن العمل، المعاقبين من سلطتهم ومن السلطات الشقيقة والصديقة، المحرومين وأطفالهم من الدفء في كانون، الممنوعين من مغادرة القطاع ولو بداعي الحج، ناهيك بالاستشفاء أو الدراسة أو البحث عن الرزق…
على غزة، بكل مواطنيها، أن تموت بصمت. ألا تقلق راحة الحكام العرب. ألا تصرخ أو تتألم فتلفت أنظار الدول التي ما تزال تحرص على سمعتها فتبادر إلى التكفير عن عذاب الضمير بمساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع.
ماذا بوسع الجامعة العربية بشخص أمينها العام أن تفعل؟!
ليس أكثر من الدعوة إلى اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، قد يلبيه معظمهم، وقد يمتنع عن حضوره من يُنقص غيابه من أهمية الاجتماع… بغض النظر عما يمكن أن يصدر عنه من قرارات، معروف سلفاً أنها لن تنفذ، حتى لو أعطت مادة دسمة لنشرات الأخبار التلفزيونية المصورة.
أما بالنسبة إلى لبنان فقد أمكن أن يتلاقى بعض وزراء الخارجية العرب، وأن يتداولوا بشأن أزمته المنذرة بتفجرات مخيفة، وأن يتوصلوا، على عجل، إلى مقترح لصيغة حل، حمّال أوجه وقابل لتفسيرات شتى، سرعان ما سوف يتحول إلى متاريس جديدة للمختلفين على البديهيات في بيروت.
أعفى الوزراء أنفسهم من المسؤولية بالتوافق على تلك الصيغة السحرية المجللة بالإبهام، وتركوا لعمرو موسى أن يقنع بها الفرقاء… وهم يدركون، بالتأكيد، أن الساعة الدولية للحل في لبنان لم تأزف بعد. ليلعب عمرو موسى، مع الفرقاء المعنيين، في الوقت الضائع. إن نجح فله أجر وإن فشل فله أجران.
[ [ [
ليس العقاب الإسرائيلي لأهالي غزة وحدهم. إنه عقاب لثلاثمئة مليون عربي. هذه هي إسرائيل تعلن أنها لا تحسب حساباً لهم، لدولهم الكثيرة، لمواردهم الهائلة، لجيوشهم التي تتزاحم الدول الكبرى على بيعها أسلحة حديثة تعرف أنها لن تستخدم، بل وتجيء دولة استعمارية قديمة لتقيم قاعدة عسكرية جديدة في واحدة من إمارات النفط.
بالمقابل، ترفع روسيا الصوت احتجاجاً على القاعدة وعلى تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارته لأقطار الجزيرة والخليج ولتهديداته الموجهة إلى إيران. تعتبر أن هذه المواقف تشكل خطراً على الأمن القومي الروسي. وأينك يا روسيا!
أما معظم العرب فيرون في ذلك مصدراً للأمان، ويدفعون الثمن بالمليارات…
مع ذلك يفرض الموت البطيء على ما تبقى من فلسطين، بالضفة الغربية والقطاع. لقد تم اغتيال القضية. الآن الدور على الشعب وقدراته مباشرة. لتقفل المستشفيات والعيادات، الجامعات والمدارس، لتدمر مباني الوزارات. ليوقف النفط والغاز، الدواء والخبز، ليصادر الهواء والنور. من زمان كان الحاكم الإسرائيلي يتمنى أن تغرق غزة في بحرها. ها هو يغرقها الآن في دمها. والعرب من حولها يتفرجون، فإن أحرجتهم الصور، أقفلوا عيونهم حتى لا يروا.
والأمين العام للجامعة العربية يغرق في خجله. ما تزال أحاسيسه حية. يجب أن يعاقب، فوراً.
[ [ [
ليس ما جاء به عمرو موسى حلاً ناجزاً للأزمة اللبنانية.
لقد جاء بمشروع غامض النص بحيث يمكن أن يفسره كل طرف على هواه.
لقد اتفق الوزراء على ألا يختلفوا، علناً، حول لبنان. وهكذا اعتمدوا هذا النص الغامض، وعهدوا به إلى الخبير المحلف في التفاوض على الوقت… لعلها تحين اللحظة المناسبة، فيتم تعديل النص بما يسهل اعتماده كحل دولي مكتوب باللغة العربية الفصحى.
لكن ذلك يتطلب وقتاً… للبنان واللبنانيين.
ليكن الموعد متزامناً مع القمة العربية: إن تم التوافق على عقدها، صار الاتفاق على الحل في لبنان من أيسر الأمور، أما إذا تعذر انعقاد القمة فلن يكفي الخجل لمواجهة النتائج المخيفة!

Exit mobile version