طلال سلمان

ليتة اكتفى نصف منصف

ليت أن سعد الحريري قد استغنى عن القسم الأول من خطابه في الإفطار الذي أقامه تكريماً للرئيس فؤاد السنيورة، في دارته بقريطم، أمس… فلا يليق خطاب المخاصمة، وفي هذه اللحظة بالذات، بنجل شهيد الوطن ومقاومته واللبنانيين بل العرب جميعاً رفيق الحريري.
وليت أن سعد الحريري قد أكد جدارته بموقعه كمرجعية وطنية جامعة، فقدم مراجعة موضوعية ومنصفة للحرب الإسرائيلية على لبنان، بمقدماتها التي قد يرى فيها مغامرة ، ثم بنتائجها التي لا يجوز اختزالها بالمأساة كل المأساة و الكارثة الحقيقية التي وسّعت نطاق الاحتلال وزادت عدد الأسرى وجاءت بالجحافل والأساطيل التي يعترضون عليها من كل أنحاء العالم . إن في مثل هذا الاختزال لحرب أولمرت ظلماً فادحاً لأولئك الفتية المجاهدين الذين قاتلوا العدو كأمجد ما يكون القتال لثلاثة وثلاثين يوماً بلياليها، وثبتوا في مواقعهم للنار الإسرائيلية الأميركية، فلم يخلوها ولم يتراجعوا مهزومين، موفّرين للحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة المجال والقدرة وقوة موقعه التفاوضي مع من هم خلف أولمرت وفوقه، لكي يفرض نقاطه السبع، التي لولا المقاومة لكانت مجرد تمنيات لمسؤول عربي عاجز لا يملك بديلاً من الاستسلام لشروط العدو… والعدو لم يكن في هذه الحرب الإسرائيلي فقط، بل إن الإدارة الأميركية كانت تتقدم أولمرت وتحرّضه على الصمود … وليس أكثر من الشهادات التي يمكن الرجوع إليها في هذا المجال وكلها أميركية وإسرائيلية تؤكدها بعض المواقف الأوروبية التي قاربت الإنصاف، وأبرزها فرنسا.
بل إن في هذا الاختزال ظلماً للشعب اللبناني كله، من دمرت عليه الحرب الإسرائيلية بالطائرات الأميركية بيته ومصدر رزقه، ومن استضاف أشقاءه الذين جاؤوه يتقدمهم اعتزازهم بصمود رجالهم وأبنائهم عند آخر حبة تراب من أرض وطنهم… ولولا الصمود المجيد لهذا الشعب خلف مقاومته الباسلة لما كان لحكومة السنيورة أن تخاطب العالم فيسمعها، وأن تأتيها الجامعة العربية بدولها جميعاً متضامنة بينما شعوبها من خلفها تهزج للمقاومة وتخرج إلى الساحات والشوارع فخورة، وقد استعادت ثقتها بنفسها وبقدرتها، ويتسابق العلماء في الجامع الأزهر، في القاهرة، وفي سائر العواصم والمدن، إلى كسر حاجز المذهبية والمناداة بالتوحّد في مواجهة العدو ، عدوهم جميعاً.
ومع الأخذ بعين الاعتبار الانقسام الذي كان خافتاً وخجولاً خلال الحرب الإسرائيلية، ثم وجد من غذّاه وجعله قاعدة لخطاب الاعتراض بل والهجوم السياسي على المقاومة، كحرب وقائية لإجبار المقاومة على التزام جانب الدفاع، فإن اللبنانيين عموماً كانوا يأملون من سعد الحريري بالذات أن يضيف إلى رصيد بيت رفيق الحريري، بأن يجعله مرة أخرى أرض التلاقي بين المختلفين في تقييم الأسباب والمحكومين بالاتفاق على التعامل مع النتائج، بالوجوه الكارثية لها، كما بالجوانب المضيئة للنصر الذي شهدت به الأعداء ، ويصر بعضنا في لبنان على إنكاره، لأن وهجه قد يخرّب توازنات اللعبة السياسية التقليدية، التي باتت من مخلّفات الماضي، ولم تعد تصلح قاعدة لبناء حياة سياسية سليمة في مستوى آمال اللبنانيين (وهم، جميعاً شركاء في النصر)، وفي مستوى تطلعهم إلى الدولة التي تكون لهم جميعاً، أو لا تكون أبداً.
مرة أخرى، ليت الشيخ سعد قد اكتفى بالنصف الثاني من خطابه، لكان قد ازداد كبراً في عيون اللبنانيين الذين دفعوا غالياً ثمن النصر في حرب أولمرت ، ويصعب عليهم أن يتجاهله أو يغمطهم حقهم فيه قائد شاب في مثل مكانة سعد الحريري وأبيه الراحل وبيته ذي التاريخ، لديهم.

Exit mobile version