طلال سلمان

لو ان رفيق حريري معنا

مع كل ساعة تمضي يتزايد إحساسنا بالحاجة إلى رفيق الحريري، فيتعاظم الحزن على هذا الكبير الذي فقدناه وهو في عز قدرته على العطاء، ونحن بالمقابل لا نجد من نعوّضه أو يكمل ما كان بصدد بنائه، وبنجاح غير مسبوق، في علاقات لبنان (وسوريا، كمتطوع) الدولية.
اليوم يشهد له الفراغ المدوي الذي يلفنا جميعاً، والارتباك الرسمي الذي يفضح عجزنا عن المبادرة، وقصورنا عن المواجهة بعدما »وقعت الفاس في الراس«، بتعبير إخواننا المصريين.
وعندما نحاول أو نرغب في النسيان ونحن نستذكره، وهو الذي لا ينسى، نسارع إلى الترداد: لو أن رفيق الحريري موجود إذن لاختلف الأمر.
لم يكن رفيق الحريري »سوبرمان« خارق القدرات،
لكنه كان مؤهلاً وقادراً على بناء صداقات وطيدة مع قيادات دولية على قاعدة من الفهم العميق للمصالح، ومخاطبة هذه المصالح… خصوصاً أنه نجح في توظيف كفاءات رجل الأعمال (وهي كبيرة) والثروة (وهي وفيرة) في إنشاء شبكة واسعة من العلاقات الشخصية مع زعماء ورؤساء وملوك ووزراء مؤثرين في سياسات أعالي البحار.
كذلك فهو قد أفاد من رصيد مكانته المميزة في المثلث العربي المؤثر، لبنان سوريا السعودية، ليقدم نفسه للعالم كرجل دولة عربي وكنقطة تقاطع في المصالح وفي المشاعر بين ثلاثة من الأقطار العربية المهمة… ثم أضاف إليها مصر، والأردن فضلاً عن أقطار الخليج.
بل إنه تمدد بنفوذه إلى إيران الصعبة على غيره والتي استقبلته بفهم لرصيده… بغير أن ننسى باكستان وماليزيا والعديد من الدول الإسلامية الأخرى.
وإننا لنفتقد رفيق الحريري، بعد عاطفتنا، بسبب احتياجنا الشديد إليه، وقد بلغت »العاصفة« الدولية التي عرف بأخبارها قبل هبوبها فعلاً، بشهور، وحذر منها، وشغله القلق من خطورتها في القوة والتأثير على الأوضاع اللبنانية خاصة، والعربية عموماً، وهي بمجملها ضعيفة بل متهالكة، وخير للمسؤولين أن يتنبّهوا إليها وأن يحاولوا تجاوزها من أن تدهمهم في قلب دورهم فيكون عصفها مدمراً.
ولم يعد سراً أن رفيق الحريري قد عرف فحاول أن ينبّه ممّا يدبّر للبنان بذاته (وبالتحديد مقاومته الوطنية المجاهدة ممثلة ب»حزب الله«) وللفلسطينيين فيه، وأساساً لسوريا فيه وعبره، بدورها اللبناني الفلسطيني العراقي.
ها نحن في قلب العاصفة وقد فقدنا رفيق الحريري.
ها هي »الدول« تفرض علينا تحقيقها في جريمة اغتياله، مشكّكة في عدالتنا، التي يصعب على اللبنانيين الدفاع عنها، بالمطلق…
وها هي »الدول« تسعى لتحويل القرار 1559 إلى سلطة رقابة على السلطة اللبنانية التي فضحها عجزها فكاد يضعها في موقع المتهم.
وها هي »الدول« تقرّر الإشراف على الانتخابات ورعايتها لتتثبت من »ديموقراطيتها« بعدما تعاظم الطعن في نزاهة السلطة وحيدتها و»استقلالها« في قرارها عن سوريا.
وها هي »الدول« توجه الاتهام مباشرة إلى سوريا، تعبيراً عن عدم اقتناعها بأن السلطة في بيروت قائمة بذاتها وقادرة ومؤهلة لأن تتحمّل المسؤولية.
إن ضعف السلطة في الأحوال العادية »عيب« سرعان ما يتحوّل إلى عجز عن الأداء، وبالتالي عن الإنجاز.
أما الغياب المفجع للسلطة في مواجهة تطورات محلية مأساوية كالتي تعصف بنا فتتهدد الوحدة الوطنية بالتصدع، وتفتح الباب وسيعاً للتدخل الدولي، فإنه يتحوّل إلى كارثة لن يقتصر تأثيرها المدمر على لبنان بل سيصيب سوريا في صميمها.
ومع سلطة عاجزة، بل مشلولة، تشتد الحاجة إلى مبادرة سورية إن لم يكن للإنقاذ فلحصر الأضرار التي ستلحق بالبلدين جراء التدخل الدولي المتمادي، والذي ينذر بأن يتحوّل إلى فرض نوع من »الحجر« عليهما معاً يتجاوز بأذاه »السمعة« إلى المصالح الحيوية.
… وقد يكون عنوان المبادرة لبنانياً لكنها تصدر من دمشق بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عند البلدين الشقيقين المتكاملين الآن في الضراء!
… وهذه هي »التحية« التي يمكن توجيهها إلى روح الشهيد رفيق الحريري، بعدما أضاعه البلدان الشقيقان.. »وأي فتى أضاعوا«!

Exit mobile version