ذهب الحاج فتحى إلى الشيخ محمود، من أعيان القرية، ليشكو له عقوق أبنائه الذين يطالبون برحيله عن البيت بعد أن ساءت العلاقة بينه وبينهم، لاتهامهم له بالتقصير والابتزاز والعجز. وتوريطهم فى عداوات مع الجيران كان من نتيجتها شعورهم بالعزلة والقطيعة مع أقرب الناس إليهم.
وقد ظل الشيخ محمود يصغى لما يذكره الحاج فتحى من وقائع يدلل بها على عقوق أبنائه له دون أن يتدخل مقاطعاً بتعليق أو ملاحظة. حتى فرغ الحاج فتحى من الكلام، ونظر إلى وجه الشيخ محمود لعله يجد رداً على ما قاله. لم يشأ الرجل أن يتورط برد قبل أن يستمع إلى وجهة نظر الأبناء المتهمين.
فطلب من الحاج فتحى مهلة من الوقت كى يتسنى له الجلوس معهم والاستماع إليهم، راجياً أن يوفقه الله فى تهدئة الأمور بين الأب وأبنائه المتمردين. حضر الابن الأكبر بعد أن استدعاه الشيخ محمود لمجلسه.
وبمجرد أن سأله الشيخ عن سبب الجفاء بينه وبين أبيه، وسر العداوة بين إخوته وأبيهم، بادره الابن بأن الحاج فتحى ليس أباهم، ولكنه زوج أمهم التى تزوجها بعد أن نجح فى مؤامرة دبرها ليدخل أباهم السجن، ثم تزوج من الأم بعد أن أقنعها بأنه المنقذ لها ولأبنائها الصغار من الضياع. ثم استطرد الشاب بسرد الظروف الصعبة التى عاناها مع أشقائه بسبب زوج الأم الذى لم يولهم الاهتمام الواجب، والذى كان قد تعهد به أمام الجميع، فأهمل فى علاج المريض منهم، كما لم يكترث بتعليمهم فنشأوا بين المرض والجهل.
زاد على ذلك أنه كان يستغلهم فى التسول ويعتدى بالضرب المبرح على من يرفض ذلك منهم. وأضاف الشاب أنه كان يعاقبهم بالتجويع والحبس وكثيرا ما كان يزيد على ذلك بالتعذيب. وقد اعتاد إهانة أمهم فكان يعايرها بفقرها، ويحط من شأنها بالتحقير والاستهزاء. وياليته كان قوياً فى مواجهة من يعتدى علينا ـ كما ذكر الشاب ـ أو يضر بمصالحنا، فلم يشأ أن يرد على من يقوم بالعدوان علينا، بل ويمنعنا نحن من الرد عليه، مما زاد من طمع الطامعين وكيد المعتدين. أنت تعلم يا فضيلة الشيخ أن الله الذى خلقنا قد برر عبادتنا له بأنه قد أطعمنا من جوع وآمنا من خوف. وهو القائل: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ. الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، فقال إنه الأحق بالعبادة عن غيره، لأنه هو الذى يطعمنا ويؤمنا. فلماذا نطيع من لا يطعمنا من جوع ولا يؤمنا من خوف؟. بل لماذا نطيع من أتى لنا بالجوع والخوف؟. أليس هو الأحق بالعصيان والجحود؟. ألست معى ياعم الشيخ فى ذلك؟!.
اكتفى الشيخ بهز رأسه دون تعليق، فتطوع الشاب بالرد بدلاً منه قائلاً: لقد عقنا فعققناه.. وجحدنا فجحدناه.. العقوق بالعقوق والجحود بالجحود والبادى أظلم!!.
اكتفى الحاج محمود بأن هز رأسه أسفاً. ولم ينطق بكلمة.
تنشر بالتزامن مع جريدة المصري اليوم