طلال سلمان

لماذا لا يرد اصحاب قدس في عمان

بعد تمرير التزوير ديموقراطيù وبالتصويت العلني، لا بد من الاحتفال بالانجاز الخارق والتصرف ازاءه وكأنه »حقيقة تاريخية«!
وهكذا احتفل إسحق رابين مع »رجاله« المخلصين في الكونغرس الأميركي (بمجلسيه) بالنجاح في فرض الكذبة على العالم: ليس القرار ابن يومه، فالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل منذ ثلاثة آلاف سنة، كما يشهد تاريخ بناء هيكل سليمان!!
… وهي كذبة أخرى رفض العالم كله، ما عدا الولايات المتحدة الأميركية البلا تاريخ، أن يعترف بها زورù وبهتانù.
وفي مواجهة الرفض العالمي للتزوير والقرار الأميركي باعتماده، تهاوت ردود الفعل العربية، الرسمية منها والشعبية، بحيث مكّنت إسحق رابين من إسناد الكذبة بدليل حسي: »من الواضح أنه لا يوجد في العالم العربي مَن يرى أن قرار الكونغرس (حول القدس) يلحق ضررù بعملية السلام… وفي أي حال فلن نوقف العملية التي قررنا متابعتها مع الفلسطينيين«!!
يتابع مع الفلسطينيين ماذا؟!
وأية فلسطين هي تلك البلا قدس؟!
ولماذا المفاوضات إذا كانت القدس خارجها، وبقرار أميركي هذه المرة؟!
… ثم إن عرفات مغضب ومستفز الآن، ولا يملك أن يقول شيئù قبل أن يعاد إليه اعتباره الذي أهدر على باب ذلك الفندق الذي قصده ليحضر الحفل الموسيقي فمنعه رئيس بلدية نيويورك من دخوله والانتشاء بالأنغام الخالدة للسيمفونية التاسعة لبيتهوفن!
ولعله قد نسي في احتفال واشنطن الشهير قبل شهرين أمر القدس والضمانة الأميركية لحقه فيها أو في بعضها!
* * *
مع ذلك يحزم الكثير من المسؤولين العرب، وأكثر منهم من »رجال الأعمال العرب« حقائبهم الآن قاصدين عمان ومؤتمرها الاقتصادي الذي تشرف على تنظيمه الادارة الأميركية لحساب إسرائيل، كتتمة لسابقه في الدار البيضاء، وتمهيد لمؤتمرات مماثلة وتكميلية أخرى ستتنقل بين العواصم العربية، سنويù، كدليل لا يدحض على انتهاء أو طي صفحة الصراع العربي الإسرائيلي..
لم يتوقف أحدهم للحظة لكي يراجع حسابات الربح والخسارة، بعد قرار الكونغرس الأميركي!
وهكذا يبدو وكأنهم ذاهبون من مغرب الأرض العربية ومن مشارقها، بمن فيهم حكّام مكة المكرمة، للإقرار بتسليمهم بهذا التزوير الفاضح للتاريخ، وهذا الإنكار المهين ليس فقط لحقوقهم في أرضهم بل أيضù لموروثهم الديني بالأنبياء فيه والرسالات السماوية والجهاد من أجل نشرها والتضحيات التي قدمها أجدادهم بالذات حتى اهتدى بها سكان أقصى الأرض ومنهم هؤلاء الأميركيون الذين يجيئون الآن ليقرروا بشطبة قلم أن القدس كانت ويجب أن تبقى (؟!) عاصمة موحدة (وأبدية؟!) لإسرائيل؟!
وماذا يجري لو قرر هؤلاء المسؤولون العرب المستدعون الى قمة عمان بمذكرة جلب أميركية لكي يمولوا مشروعات اسرائيلية، أساسù، أن يمتنعوا عن القدوم؟!.
ان امتناع سعود الفيصل، مثلاً، عن المشاركة، وكذلك عمرو موسى، أو وزير خارجية قطر (الذي حظي الآن بلقاء رابين شخصيù فارتفع قدره في عيون اقرانه!!)، يمكن ان ينسف قمة »الاتاوة« او »الخوة« المفروضة، والتي تفضح الغرض الاسرائيلي الفعلي من تلك الاتفاقات والاحتفالات الكرنفالية بها: هاتوا فلوسكم ودعوا الأمر لعقولنا فنبني معù الشرق الأوسط الجديد؟!!.
هذا ابسط رد كان يمكن توقع صدوره عن اية »دولة« عربية تملك الحد الأدنى من احترامها لنفسها ومصالح نظامها، حتى لا نقول لشعبها… ولكن »ما لجرح بميّت ايلام«!!.
بالمقارنة، يبدو الرئيس الأميركي بيل كلينتون كما نقل عنه وزيره كريستوفر، اعنف في معارضة المشروع الذي تبناه مرشحù ثم تحفظ عليه حين بات قرارù، من »اصدقائه« العرب، فهو يراه »غير حكيم وينطوي على المخاطرة بتقويض عملية السلام«،
أما المعارضون العرب فقد تخوفوا على المصالح الأميركية كما على الأمن الأميركي وعلى »عملية السلام« بوصفها انجازù اميركيù.
أي انهم ردوا بمنطق تلك الاقلية الضئيلة في الكونغرس بمجلسيه، وكأن علاقتهم بالقدس الشريف وببلادهم وأرضهم وتاريخهم إجمالاً في مستوى علاقة اولئك »الليبراليين الأميركيين« بذلك جميعù!!.
في حين ان الأوروبيين، فرنسيين والمانù وبريطانيين، كانوا اعنف ليس بموقفهم المبدئي بل بموقفهم السياسي الرافض البحث بالامر »قبل بت الوضع النهائي لهذه المدينة المقدسة«!.
***
هل »عملية السلام« أهم من القدس؟
وهل ثمة سلام من دون القدس الشريف؟!
وأي سلام سيقوم ومهد المسيح وكنيسة قيامته واولى القبلتين وثالث الحرمين وصخرة عمر وسيف صلاح الدين في الاسر الاسرائيلي؟! وهل لمثل هذا الارتهان اسم »السلام«؟!.
لقد سحبوا الصراع بداية من الشارع الى القصور، فحصروا مسؤولية فلسطين بالحكومات، ثم جزأوا فلسطين، القضية وبعدها الأرض، فجعلوها ارخبيلاً من المدن والقرى المقطعة اوصالها المعزولة واحدتها عن الأخرى والمفصولة بمجموعها عن هويتها،
وها هم الآن يرمون الاشلاء لرجال الأعمال، ومعظمهم نهاب نهاش، لا يمتنع عن اكل لحم اخيه نيئù، وجل ثرواتهم قد جاءهم من التواطؤ على الحكام ذاتهم على نهب منظم لموارد البلاد وتعطيل بناء »الدول« والمؤسسات، واستكمال البنى التحتية التي شكلت طوال سنوات دجاجة تبيض ذهبù قبل ان يذبحها.. تراجع أسعار النفط في السوق العالمية!
***
لم يصدر حتى الآن رد عربي في مستوى خطورة القرار الأميركي،
وأغلب الظن أن القرار المرتجى لن يصدر، في المدى المنظور،
فهل أقل من الرد في عمان على مصادرة القدس، خصوصù أن الحاكم في عمان متورط وقد ضبط متلبسù في جريمة بيع القدس؟!
أما الرد الحقيقي فيصنعه المؤهلون لإنجازه وعلى الأرض ابتداء من القدس الشريف وانتهاء بها،
خصوصù أن القدس هي بحجم العالم كله!

Exit mobile version